الولد الجاهل؛ رواية تعتمد الصوت الواحد لبطلها، الذي يتحدث عن نفسه، حياته، حيث يتداخل المعاش الحقيقي مع المتخيل والوهمي، ليصنع حياة كاملة، الرواية تمتلئ بالتفاصيل الصغيرة، التي بمجموعها تشكل عالم الرواية وزمانها وناسها كخلفيات نطّلع عليها، بالمباشر أو ما نستنتجه بما وراء السطور.
تبدأ الرواية من الشخصية المحورية في الرواية “حسن” الذي يعمل في وزارة التربية، وقد جاءه انتداب إلى وزارة الداخلية. تفاجأ بذلك، لقد بعث بكثير من الطلبات لينتقل إلى وزارة الثقافة، حيث يلتحق بإحدى المراكز الثقافية، ويشبع نهمه للاطلاع والثقافة، وينمّي موهبته الكتابية، يكتب بعض القصص القصيرة، حاول نشرها. أمر النقل إلى وزارة الداخلية كان جديا.
ذهب حسن إلى وزارة الداخلية حاملا أمر انتدابه، حوّل إلى مسؤول، أخذه إلى مستودع أرشيف الوزارة، وسلّمه مهامه الجديدة، عليه إكمال أرشفة وثائق وزارة الداخلية الموغلة في القدم، أوراق رسمية تعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي، وبعده عهد الدولة الوطنية المصنفة “رجعية”، وبعدها العهود الوطنية بتصنيفاتها المختلفة، التي استقرت إلى عهد السلطة الوطنية الثورية؛ التي ثارت على ما قبلها من سلطات ثورية واستقرت وهيمنت. الأوراق ليست ذات أهمية، أعطي صلاحيات إتلاف ما يراه غير مهم.
الولد الجاهل؛ رواية تعتمد الصوت الواحد لبطلها، الذي يتحدث عن نفسه، حياته، حيث يتداخل المعاش الحقيقي مع المتخيل والوهمي، ليصنع حياة كاملة
حسن شاب عصامي عاش حياته على الهامش، توفي والداه مبكرا، تبنّاه أحد أقربائه ممن كانوا من المسؤولين والأغنياء في العهود البائدة، القريب سقطت سلطته، وسمي رجعيا، لكنه بقي على قوته الاجتماعية والاقتصادية، حسن يعجب بفتاة تعرّف عليها في المجال الثقافي، فهي أيضا تكتب القصة القصيرة وتنشرها في الدوريات الأدبية.
حسن يحلم أن يتعرف عليها، وأن تكون بينهما علاقة أدبية وعاطفية إن أمكن. الفتاة تكتب القصة بوحي تجربة حب انتهت بزواج لم يعمر، وانتهى الزواج بطلاق سريع. أصبحت الفتاة مأزومة من عالم الرجل الظالم، كل قصصها تتمحور حول رجال ظالمين وغير جيدين ونساء مظلومات وضحايا لرجال سيئين.
لم يستقر حسن في عمل الأرشفة إلا قليلا حتى تم انتدابه مجددا إلى مهمة سرية في حانة روكسي في دمشق، في أجواء مخابراتية، لقاءات بغرف جانبية، وتكليف بمهام استخباراتية، وتواصل عن طريق وسيط وبشكل سري.
المهمة هي التردد إلى حانة روكسي لأجل التعرف على واقع روادها، هناك من أخبر أن مجموعة متآمرة تلتقي بها، وأن عليه التأكد من ذلك والحصول على المعلومات. يذهب حسن إلى الحانة يتعرف فيها على شخصيات متنوعة ترتادها بشكل شبه يومي، تعرف على فتاة البار التي تلبي رغبات الزبائن بما فيها الجنسية أيضا، لم يلفت نظره شيء مهم، بمساعدة الوسيط الاستخباري، يحصل على بعض المعلومات، ويصبح تحت المراقبة، هناك جهات أمنية أخرى تابعة لأجهزة استخبارات جديدة نافذة وقوية تابعة للسلطة الجديدة، بدأت بالظهور وأخذت مواقع في وزارة الداخلية. ضاع حسن بين أن يعرف ما يحصل أو أن يكون مستهدفا من الآخرين لمعرفته ومعرفة مهمته.
تورّط بعلاقة جنسية مع فتاة البار تغطية على سرية مهمته، له صديق يشاركه سهراته، وحتى ممارسته الجنسية الحميمة مع فتاة البار، له شخصية مرافقة له تُخلق أمامه فجأة تتفاعل معه تحاوره تتفق وتختلف معه، وسرعان ما تختفي، أسماه الرجل الضالع. كان همه الأكبر أن يصل للكاتبة، وأن يبني علاقة حب معها، وتواصل جسدي جنسي، زارها أكثر من مرة، طردته في بعضها، أخبرته أن قصصه خيالية ولا علاقة لها في الواقع، وعدها أن يكتب عن الواقع المحيط به، تقرب منها أكثر وحظي منها على حب وتواصل جسدي ومتع كثيرة.
الدولة في عهد السلطة السياسية العسكرية الجديدة، أصبح ثقلها الحقيقي في أجهزتها الأمنية الجديدة على كثرتها، وليس في حكومتها مجسدة في وزارة الداخلية.
وقع في مآزق كثيرة في عمله مع وزارة الداخلية، وبالاصطدام مع الأجهزة التي هيمنت على ساحة العمل الاستخباري، وتمّ تحييد الداخلية وهذا يحتم عليها أن تهتم بالجانب الجنائي فقط.
ضاع بين مخبر وشاذ جنسي وفتاة بار مغلوبة على أمرها، وصديق شاهد على أحواله، ورجل ضالع يحضر ويغيب كيفما شاء، وكاتبة لا يعرف كيف يخبرها عن كل أحواله، خاصة بعدما أحبها وأحبته، وحصل بينهما لقاء جنسياً حميمياً. لم تستمر أموره هكذا، وفي وقت انسحاب الداخلية وضعفها أُعيد من المهمة الأمنية إلى العمل في الأرشيف. هناك اكتشف أنه لم يغادر عمله أصلاً بل توحد مع عمله؛ بحيث صار يعيش حياة أخرى في العوالم التي أرشفها. لا روكسي ولا مؤامرة ولا فتاة بار ولا صديق، والرجل الضالع وهم لنفسه التي تحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، والكاتبة ولقائه بها حلم لذيذ لم يتحقق.
هنا تنتهي الرواية. وفي تحليلها نقول: نحن أمام رواية مختلفة في عالم فواز حداد الروائي، يريد أن يستحضر زمان مضى إلى النسيان، وأن الدولة في عهد السلطة السياسية العسكرية الجديدة، أصبح ثقلها الحقيقي في أجهزتها الأمنية الجديدة على كثرتها، وليس في حكومتها مجسدة في وزارة الداخلية.
فواز حداد يصنع عالما كاملا متخيلا في ذهن بطل روايته، بديلا عن حياة كئيبة لبطلها المدفون في قبو أرشيف مع أوراق ذهب زمانها، بعضها للحفظ وأغلبها للإتلاف، هكذا يودّ القول؛ إنّ زمانا جديدا حضر بحكم شمولي استبدادي جديد مهيمن على كل أركان الحياة، والناس ممثلة ب “حسن” بطل الرواية، ليس لها إلا أن تجتر أحلامها وأوهامها، بصفتها بعض أمانٍ تتمنى أن تتحقق على تواضعها، في حياة تبدو أنها تزداد سوءاً يوما بعد يوم.
-
المصدر :
- الأيام السورية