يعتبر العالم العربي حسب الاجتهاد الإيراني، المجال الحيوي للهيمنة الإيرانية الموعودة، عالم برمته يقع ضمن استراتيجيتها، إذ لكل بلد من هذه البلدان، ثغرة هي الإسلام تتسلل منها، سواء كانت شيعية أو سنية أو يزيدية… المعركة اليوم في سورية، معركة ايرانية بالدرجة الأولى، والنظام السوري يستفيد منها. تخوض إيران معاركها في عدة اتجاهات، وعلى عدة جبهات، تستغل علاقاتها المذهبية وتتعاطف مع المعارضات التي تتوسل الدين في شعاراتها، ولو كانت المقاومة والممانعة تعادي أمريكا وإسرائيل. البراغماتية تحلل لها التعاون مع أمريكا و”داعش” بقيادة المرشد خامنئي الذي اتقن لعبة السياسة، مستغلاً العجز العربي، والتجاهل الغربي، والملف النووي العالق مع الأمريكان.
وضعت إيران المنطقة بأسرها ضمن نطاق طموحاتها، وعلى مراحل، لا استثناء لبلد، استراتيجيتها السعي إلى أن تكون القوة الإقليمية الكبرى المنافسة لإسرائيل وتركيا، باستخدام قوتها الدعوية المذهبية، مع التلويح بالتاريخ الإمبراطوري في الداخل المتململ. فالتمدد في البلدان المجاورة وغير المجاورة يحي الآمال التوسعية لأجيال قديمة واجيال طالعة تحلم باستعادة مجد الإمبراطورية الغابر. يتبدى بمغازلة شعبوية إيرانية آخذة بالتفاقم، تحصد مؤيدين من ايديولوجيات متنوعة، معهم الأوفياء للمقاومة الذين اهتزت قناعاتهم جراء النقلة من العداء لأمريكا إلى التصالح معها، مع هذا لم يفقد خامنئي جمهور “الموت لأمريكا”، فالذي عادي أمريكا جهراً، تعاقد معها سرا تحت غطاء النووي. وأرضى أيضاً التواقين للثأر من الأمويين، بحجة مختلقة؛ الدفاع عن المراقد المقدسة، سوّقها حزب الله، بإقامة احتفالات الانتصار على دمشق، في قلب دمشق. ومن سكرات النصر واللطم كانت الدعوة للقضاء على السنة، وتشريدهم، على أنهم من أنصار “داعش” و”النصرة”. أما حظ الإسلام، فانتزاعه من الأعراب.
لا تواجه إيران في اليمن معضلة فارقة، فالحوثيون وصالح يشاغلون السعودية، ريثما يتدخل الغرب لحلحلة أزمة اليمن، جدواها أن تطول زمناً يرهق السعودية والخليج معا. الجائزة الكبرى سورية، التي يعدها خامنئي درة التاج الإيراني. مؤخراً بات يخشى عليها من سلسلة العمليات المؤثرة للمعارضة السورية المسلحة في الشمال والجنوب، فالتوسع على الأرض مطرد، وتوحيد الفصائل أحرز نجاحاً. يهدف الإيرانيون إلى إيقاف زحفها، وتفكيك توحدها الذي كان أساس اندفاعتها على الجبهات، بالتعويل على تراجع الدعم، بحيث أي تباطؤ في تقدمها يعني أن العمليات برمتها ستتعرض للتخلخل. ما يمهد للتراجع عن مكاسبها واندحارها.
إذا كان لنا أن نصدق التصريحات الإيرانية عن عدم ارسالهم قوات برية ضخمة من الميلشيات الطائفية إلى سورية، فهذا يعني أن فاتورة إيران باهظة، النظام لا يؤمن له، إذا استطاع الصمود لن يعطي الإيرانيين أكثر مما اعطاهم. أما إذا شارف على الانهيار، فسيقبل بشروط المعونة الإضافية. عندئذ تشهد سورية جحافل الميلشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية، واسطولا من الطائرات والبواخر، ما يساعد النظام ليس على الصمود، وإنما على إعادة احتلال سورية من جديد، فالخطط جاهزة، وتصور سورية تحت إدارة إيرانية جاهز أيضا. ترى ما الثمن الذي ستباع به سورية إلى إيران؟ طبعاً الكثير من المحللين اللبنانيين سيبررونه على انه منعطف تاريخي سيغير وجه العالم العربي.
الأمان الذي تقدمه إيران للغرب، أقوى ضماناً من ميليشيات سنية، وجهها الأبرز “داعش”، كما لا أمان للنصرة الأقل منها وطأة، تريد أسلمة العلويين والدروز والإسماعيليين، بينما القوة الضاربة لإيران “فيلق القدس” ومعه “حزب الله”، قد أخذا على عاتقيهما إلا يقتربا من “القدس”، وإذا أرادا فالطريق إليها طويل، يمر عبر بغداد، فدمشق، فبيروت، ثم صنعاء، والكثير من المدن العربية، بحيث لن يصلا إلى القدس، حتى لو كان الأبد طوع أمرهما.
إذا كان لابد من إيقاف هذا المسلسل الواقعي والمفترض، بما يمنع تقسيم سورية، فعلى المعارضة المسلحة والسياسية، الاعتماد على قدراتها القتالية والدعم العربي، وألا تعول على الموقف الأمريكي إلا بفهمه على حقيقته، أوباما لا يستطيع تجاوز استراتيجيته الإسرائيلية، وهي دوام الحرب بضع سنوات أخرى، بزج بلدان المنطقة في حروب دينية بينية وداخلية، توفرها إيران بإشعال نيران الخلافات الطائفية، تعيد العرب إلى بدايات القرن الماضي. حقيقة الموقف الأمريكي، لا تعبر عنه أسطوانة أوباما الممجوجة، “لا مكان للأسد في مستقبل سورية” وإنما الدبلوماسية الأمريكية التي عطلت مشروع حماية أرواح المدنيين السوريين من البراميل المتفجرة… من دون أي عذر معقول، سوى أنها تريد حرباً غير محدودة، تستمر بتوسيعها، وعدم اقتصارها على منطقة دون أخرى، حروب مفتوحة.
-
المصدر :
- المدن