الحرب مستمرة بين التحالف الدولي و”داعش” في عين العرب (كوباني)، لا يعني هذا انها ستقتصر على هذه الرقعة، “داعش” لا تكف عن التمدد على الأرض العراقية والسورية بعدما ألغت الحدود بينهما، القتال يجري على أكثر من جبهة، بينما التركيز على معركة عين العرب بلغ أقصاه عسكرياً وسياسياً، فالخلاف الأمريكي التركي احتدم تحت الأضواء، كل منهما يحاول احراج الآخر، كيري يثير الدواعي الأخلاقية، وأردوغان يثير موضوع الكيل بمكيالين، العالم لا يتعامل بالمنطق، ادعاء كيري ساقط، تكذبه الحرب السورية على مدى أربع سنوات، أكدت فيها الإدارة الأمريكية أن آخر ما يهمها هو الأخلاق. أما موضوع الكيل بمكيالين فاعتاد العالم عليه، ولم يعد يثير اعتراضاً، فالكفة الخاسرة من نصيب العرب منذ حرب 1948، ومعالجة أزمات العالم، تحل بإهدار حقوق الطرف الضعيف.

الحرب في عين العرب، اكتسبت رمزية تتجاوز حدود المدينة، فالطيران الأمريكي الذي يقصف قوات الحصار الداعشي، لم يؤثر فيها، وإن حد من حركتها، وارسال المقاتلين الأكراد بأعداد أكبر، يعني أن التحالف يريد أن يهزم “داعش” كي يحقق نصراً في حرب تبدو أنها تراوح في مكانها. لكن المعركة ليست بالسهولة التي تهزمها الضربات الجوية ولا صمود الأكراد، “داعش” لم تهزم حتى الآن في أي معركة خاضتها، واي انكسار سوف يؤثر على اندفاعتها، بعد انطلاقتها المباركة من السماء. جاذبية “داعش” تنطلق من العناية الإلهية التي رافقت تقدمها المظفر على عدة جبهات، أما متى ستتحلى عنها، فغير معروف، انتصاراتها خلقت لها سمعة اسطورية. وإذا كانت وحشيتها قد جعلت الناس تخشاها، يعرفون أن الحرب التي يدفعون أثمانها لن تنقذهم من الأنظمة الدكتاتورية. أوباما يماطل، ويدعم بعناده من تذيقهم سياساته الهوان، فلا يستغرب أن تأييدهم بدا ينصرف إلى “داعش”، ليس تعاطفاً معه، لكنه المقابل المكافئ للتغلغل الإيراني في البلدان العربية (سورية، العراق، لبنان، اليمن)، والذي لم يواجه أو يوضع له حد، أو حتى يتعرض للإدانة، وبات توطؤاً مع الاستراتيجية الأمريكية التي بدأت تتخلى عن غموضها وتتوضح يوماً بعد يوم.

اللاءات التي تصر عليها أمريكا؛ حصر المعركة بداعش، لا تصعيد للعمل العسكري ضد النظام السوري، لا مشاركة أمريكية برية، التلويح بتدريب جنود سوريين من المعارضة المسلحة المعتدلة، مازال في طور الكلام، وهو حديث جرى قبل سنوات، ويتجدد من حين لآخر، ودائما في دائرة الدراسة، ومن دون ظهور علامات جدية للعمل على تنفيذه، ما أدى إلى استراتيجية أمريكية باتت جلية، تسهم في مد عمر النظام و”داعش” معاً الى زمن غير محدود.

لم تثمر الضغوط المتزايدة على أوباما لتصعيد العمل العسكري في سورية، ادعت الإدارة أن التصعيد مصيره الفشل، لعدم توفر شريك محلي على الأرض. فالجيش السوري الحر ليس له وجود على أرض الواقع، بينما يوجد أكثر من ألف ميليشيا تحارب بعضها أكثر مما تحارب النظام، وهي السبب الرئيسي للفوضى. لذلك يروج في الصحافة الأمريكية للاستراتيجية الوحيدة التي يمكن أن يكون لها فرصة من النجاح ضد الدولة الإسلامية هي الاحتواء، ثم ترك الحرب لدول الجوار المهددة أكثر من أمريكا، وهي الملزمة بالقضاء عليها بمواجهتها عسكرياً وسياسياً.

النوايا الأمريكية ستدخل خلال المرحلة القادمة في الخفاء ريثما تحسم أمرها، فالغموض كان وليد التردد، وكلما أسقطت الموانع، تجرأت أكثر على الظهور، لكن ليس قبل تحقيق نصر يضمن بعض النجاح لاستراتيجية ستصبح معلنة، لدى أوباما حينئذ على الأقل دليل يبرهن على صحة خياره. بينما هزيمة داعش أو انتصارها في عين العرب، يضمن كلاهما لأمريكا ارسال المنطقة الى حرب طويلة الأمد، لا احتواء ما لا يحتوى.

أخيراً، هل في عبور 1300 مقاتل من الجيش الحر الى عين العرب للدفاع عنها إلى جانب الأكراد احباط لاستراتيجية غامضة، أم دخول الحرب إلى مرحلة أكثر غموضاً في البحث عن منافذ أخرى لإحباط هذه الخطوة؟

الجواب السريع لم يتأخر من الاتحاد الكردي السوري: على الجيش الحر فتح جبهة ثانية ضد المتطرفين لا القدوم لكوباني.