يعتبر بعض علماء الغرب أن الدين في هذا العصر بات زائداً عن حاجة البشرية، ويلعب دوراً يعرقل التقدم ورفاهية الإنسان، بممانعاته غير المجدية، فهو يحجر على الفكر، لكن ثمة من يستمع للمتشددين من فقهاء الأديان، ويأخذ بفتاواهم على أنها الصواب. العلم يتجه نحو المستقبل، بينما الدين لا يشدنا نحو الماضي فقط، بل ويجعلنا نخوض معاركه الغابرة.
في سياق الرأي نفسه، كانت الحاجة إلى الدين ماسة لتفسير ظاهرة وجود الإنسان في العالم، فكانت قصة خلق العالم في ستة أيام، والإنسان على صورة الخالق، وتمكنت من تفسير الكثير من ظواهر الطبيعة، كالكوارث وسقوط المطر وقصف الرعد… كانت الأديان نقلة نوعية، بالمقارنة مع السحر الذي حاول تفسير العالم بعلم متخيل هو الخرافات والشعوذات، ومع أنها قمعت بشدة، لم يضع الإنسان حداً لها، حتى الآن، فما زال لهذا النمط شعبية كاسحة، يتجلى في التوق إلى معرفة الغيب والطوالع والتنبؤ بالمستقبل. الأديان لم تقصر إزاء السحر والسحرة، لاحقتهم بمحاكم التفتيش. المستغرب أن السحر التصق بالنساء أكثر من الرجال، بلغ ضحاياه ما لا يقل عن خمسين ألف امرأة، لقين حتفهن على المحرقة. وبهذا، برهنت الكنيسة على صوابية أفعالها، بعدم قدرة الشياطين على إنقاذ السحرة من كلمة الله.
الدين، أيضاً، اعتبرالعلم سحراً يعتمد على معرفة مهرطقة، فلم يشذ في تعامله معه عن السحر، فاضطهد كل من جاء بتفسير للكون والخلق، يختلف عن تفاسير الكتب المقدسة. ووضع العلماء تحت الرقابة، ومنهم من عوقبوا بالموت في المحرقة، جيراردو برونو مثلا، بينما اضطر العالم جاليلو إلى إنكار خطاياه العلمية. الإنكار لم يغير شيئاً، الأرض مازالت تدور. فضول البشر لا حدود له، التوق إلى المعرفة التي طردت الإنسان من جنان الخلد، ستقوده على الأرض، في رحلة بحثه عن حقائق الكون.
حقق العلم انتصارات ملموسة، وقدم للإنسان ما أرضاه، وذلل له سبل العيش، حتى بدا وكأن مرحلة في تاريخ البشرية انتهت مع الأديان، وبدأت مرحلة العلم. ما أحرج التفاسير التي صاغتها الأديان واضطرها إلى الاعتراف بأن الكتب السماوية ليست كتباً علمية، وخلق الكون والبشر ليس نظريات، كما أن قصص الماضي السحيق ليست حقائق تاريخية، بل مجازات للدرس والعبرة.
وسوف ينتقم العلم من الأديان في الدول الشيوعية، ليس انتصاراً له، بل لأن الأيديولوجية الشيوعية لا تعترف بغيرها، فكان إغلاق دور العبادة، والاكتفاء بالقليل منها على أنها نماذج تدل على أنه كان لها وجود في ماض، عندما كان الجهل سائداً.
في صراع الدين والعلم، سيحتكر الدين قضية الروح، ويأخذ على عاتقه إنقاذها من خطاياها بالغفران. من حسن حظ البشر أن العلم لا يطال الروح، استعصت عليه، فهي لا تقع تحت طائلته، حتى لو أنكرها. عظمة الحياة استهلكت قدرات العلماء، وشكلت إعجازاً مستمراً، فما البال بالروح التي لا ترى بالعين المجردة، ولا بغير المجردة، ما أفاد الدين وجعل منه حامل أسرار الروح، بينما العلم كلما توغل في الكون الأكبر والأصغر، وحقق تقدماً، أعلن عن شق طريق بدا على الدوام بلا نهاية.
الخلاف بين الدين والعلم، هو نزاع على التفسير وحدوده، تفسير الذات والعالم، والمعنى من وجودنا في الحياة، وما بعد الموت. وإذا أضفنا السحر على أنه الهامش الذي لا تتسع له الأديان والعلم. في وسعنا القول إن لكل من الأديان والسحر والعلم تفسيره، التعايش بينها، يمنح للبشر الحرية في التفكير وعدم التفكير، غير أن المشكلة ليست في غطرسة العلم، ولا في شطط السحر والشعوذات، أو في الانشقاقات الدينية، بل في مراعاة الحدود بينها، في ألا يحاول طرف فرض تفسيره على الأطراف الأخرى، ولو على سبيل الهداية إلى الطريق القويم، ما يوصل البشر إلى حد الهاوية: المحرقة والمصادرة والنزاعات القاتلة.