لن يغيب سؤال الثورة، طالما ما استدعاها ما زال قائما، وإذا كانت في حينها قبل عشر سنوات حتمية، فقد كانت كذلك على مدار أربعة عقود سبقتها من تسلط العسكر والبعث، ما حول سوريا إلى دولة شمولية بات اسقاطها ضرورة إنسانية وتاريخية، وهدفاً مستمراً، ما زال اليوم مطلوباً، بعدما أضاف الطغيان خراباً واستبداداً، انتشر على الأرض السورية، حصيلته؛ ملايين الشهداء والمعاقين والمعتقلين والمغيبين قسرياً والمفقودين والمهجرين والنازحين، وأربعة احتلالات، وبلاد تنهب. ولم ينج الداخل من الغلاء والفقر وطوابير الخبز، حتى أصبحت الطبقة المتوسطة مهددة بالجوع. أما الأثرياء، فأثرياء الحرب.
لا يهم النظام سوى البقاء، ولو كان فوق الأشلاء والدمار، بحماية الروس والإيرانيين. أسباب الثورة متوافرة، ما زلنا في الضفة نفسها، وإذا كانت الوسائل وعدم القدرة مفتقدة حاليا، والمجتمع الدولي إن لم يكن عاجزاً، لا يرغب في التدخل. لا يعني هذا إلغاء الثورة من حساباتنا. وفي حال كان لها أن تحدث فبديناميكية مختلفة، فالحياة مفتوحة على احتمالات لا تنضب، طالما النظام يتهرب من الحل السياسي ومن قرارت الأمم المتحدة، ما دام تحت رعاية الفيتوات الروسية.
الثورة مفهوم عريض، لو أن النظام لم يواجه المظاهرات الشعبية بالرصاص، واستجاب لمطالب المحتجين، لنجحت الثورة السلمية، وأدت إلى إصلاحات يعول عليها في إجراء متغيرات مع الوقت، ولو بالتدريج، لكن النظام لم يتنازل عن القمع والسجون والاعتقالات. لم تنجح الثورات في أغلب بلاد العالم، لكن حتى في هزيمتها أدت إلى حراك على المدى البعيد أسقط الدكتاتوريات، لولا إرادة التغيير لم تظفر الشعوب بالحرية والديمقراطية.
يمكن ابتداع أساليب متعددة، لإسقاط نظام الحكم: مدنية، سياسية، جهود دولية. فالثورة لا تعني العسكرية فقط، بل الاستفادة من السبل المتاحة. وإذا بدا في سورية، ألا بديل عن السلاح من فرط تعنت النظام، فلأنه لم يترك للسوريين حلا آخر، لكن ليس هناك طريق واحد للثورة.
نعم هناك حساب للخسارات، كانت أكثر مما تحتمله سوريا أو تطيقه، لكنها اضطرت إليه، ربما كانت الثورة السورية من أكثر الثورات التي سجلت خسارات فادحة في الأرواح والبنى التحتية وحصدت الموت والخوف، كذلك تصدع النسيج المجتمعي، ولم تعدم الأرباح، رغم أنها كانت ممزوجة بالفجائع والماسي، وهي أن الانسان السوري، لم يعد رهينة أكاذيب الدولة الشمولية ووعودها ومكرماتها، ولا يعتقد بالزعيم الأوحد، ولا بمهزلة الخلود والأبد. لم يعد ينظر إلى الدكتاتور وبطانته إلا كمجرمين، لن يخدعهم الأمان المبطن بالقتل والتهديدات، ولا النهب المبرمج.
أما ماذا يعني البقاء على قيد الثورة، فهو أن يبذل كل منا أفضل ما عنده في أي مجال كان، سياسياً، اقتصادياً، إعلامياً، علمياً، فنياً، ادبياً…. يجب أن نتحامل على خسائرنا ونواصل العمل نحو تحقيق هدف واحد، دولة ديمقراطية مدنية تحت سيادة القانون، الجميع فيها سواسية.
إن في استغلال هذه النتائج، مهما كان مردودها، بامتحان أفكارنا وتجربتنا. يجب أن تكون لدينا الجرأة على مراجعة ليس السنوات العشر الماضية، بل منذ الاستقلال السوري، وما تبعه من انقلابات، إذ لا يمكن الخطو نحو المستقبل، قبل تصفية الحساب مع الماضي، وقراءته جيدا، لا القطيعة معه، كي نحمله معنا ذخيرة لا عبئاً.