هناك مثل صيني يقول: “إن كنت تؤمن بكل ما تقرأ، فمن الأحسن لك أن تكفّ عن القراءة”. وعلى منواله، إن كنت تصدّق كل ما تسمع، فالمستحسن أن تكفّ عن السماع… خصوصاً في السياسة. ولا نفتئت على السياسيين، هم أنفسهم لا يصدّقون ما يقولونه، فلا يجدون بأساً في نعتهم بالكذب.

بفضل الإنترنت وملحقاته من فيسبوك وتويتر وغيرهما، باتت القراءة أسهل وأبسط لا تكلّف عناء، فهي موجزة لا تزيد عن عناوين تغني عن المزيد.

وحتى إذا حصلنا على كتاب مجاني بضغطة زر، فلن يخطر لأغلبنا أكثر من تصفّحه، فتدفق الأخبار لا يمنحنا وقتاً حتى لتذكّره، نحن رهينة تسارع يطلعنا على طرف من الحدث، تجهد المواقع في تجزئته وبثّ الإثارة فيه، ما يبقينا على اتصال معها، نتابع دونما قصد طوال أشهر وأحياناً سنوات إنكار علاقة بين ممثل وممثلة، تطوّرت إلى إنكار أبوة أطفال نتجت عن علاقة لم تثبت بعد، تؤدي إلى تبادل اتهامات، تخلّف تفاصيل جانبية، فالممثل لديه علاقات أخرى، ربما كانت زيجات، بينما الممثلة تناضل لحماية طفليها من عدم إثبات النسب.

مسلسل يدور في المحاكم وبلاتوهات التمثيل والكواليس وحفلات الافتتاح وأعياد الميلاد وغيرها من الأماكن. أصبح أصغر خبر عن اعتزال فنانة، أو ضبط ممثلة مخمورة ضربت خادمة، أو فنان صفع شرطياً، يشغل مواقع التواصل الاجتماعي. فيتاح لنا سواء يهمنا الخبر أو لا يهمنا الاطلاع على مجتمعات أبطالها تتسلق الشهرة على حساب فضائحها التافهة، التي تعمل المواقع على تضخيمها، بما يساعدها على بلوغ القمة. خدمة ليست بلا ثمن.

” يتسابق الساسة الغربيون إلى اقتناص الفضائح الجنسية”

بهذا تؤدي مهامها على أحسن وجه، فلا تدع القراء من البشر العاديين أسرى فقدانهم الأمان، أو ما يعانونه من غلاء، أو حتى تعرضهم للقصف.

ابتدع مرضى الأضواء تقليعة إدمان الظهور على صفحات الجرائد والمجلات، استثمروها بافتعال خلافات ومصالحات، وتسريب إشاعات عن نشاطاتهم الاجتماعية من زواج وطلاق، غراميات وكراهيات، وطبعاً خيانات. ما أصاب السياسيين بالغيرة، فلم يرضوا بأقل من تصدّر الصفحات الأولى، أما الصفحات الداخلية فللفن الجاني والمجني عليه، اختصاص صفحة المنوّعات الخفيفة، وكانت الأكثر قراءة. ولا غرابة أنه منذ عقود يتسابق الساسة الغربيون إلى اقتناص الفضائح الجنسية، ففاقت غيرها بالترويج لهم.

إذا كان ما سبق الإشارة إليه حقيقياً، فمن باب الخصوصية المتعمّد انتشارها، لا تعني القراء إلا من باب الفضول. وما نكتبه حولها ليس دعوة أخلاقية إلى نبذها، الأخلاق لا تتدخل في الخصوصيات، إنها شأن الانسان وحده، لكن نشرها على العموم يسمح بنقدها.

نعود إلى أحوال القراءة، وما أودى التواصل الاجتماعي بها من بؤس. يخاطبنا تولستوي عن أحد فوائد المطالعة قائلاً: أنت تعرف أكثر ما هو مكتوب في الكتب، ولكي تتذكرها يجب أن تقرأ. حسناً لنقرأ ما يستحق أن نتذكره.