آخر أخبار تنظيم “داعش”، أن تعداده بات يفوق خمسين ألفاً، واستقطب أخيراً ما لا يقلّ عن خمسة آلاف مقاتل سوري انضموا إلى معسكراته في الرقة وريف حلب الشرقي، والتحق به ما يزيد عن ألف مقاتل من جنسيات أجنبية، شيشان وأوروبيون وآسيويون ومسلمون صينيون، عدا العرب من سعوديين وتوانسة… جيش “داعش” مجهّز بعتاد ثقيل وآليات حديثة، مدرّعات ودبابات. حقق انتصارت سهلة في العراق، ويهاجم معاقل النظام السوري، آخرها مطار الطبقة العسكري، بعدما فرض سيطرته عسكرياً على “الفرقة 17″ و”اللواء 93”. إضافة إلى تواجده في الرقة، إدلب، حماة، القلمون… ثم تنفيذ القتل الهمجي بالصحافي الأمريكي جيمس فولي، مع توجيه رسالة تهديد إلى أمريكا بضربة لا تقلّ عن ضربة 11 أيلول (سبتمبر). الأوربيون مهددون أيضاً، الرئيس الفرنسي صرّح: الوضع الدولي هو الأخطر منذ 2001.

كأن الدولة الاسلامية ستكتسح العالم في عهد فتوحات جديد، لا يمت للإسلام بصلة؛ دولة مفتعلة من ماض هو مضاد لها، قد تصبح حقيقة، ما دامت الظروف تساعدها. ربما هي إحدى المرات النادرة، التي يتجسد فيها الخيال على الأرض، ويتجاوزه أيضاً، ويتجاوز كذلك واقعاً لا يمكن نسيانه، مرور عام على هجمة الكيماوي. طغيان ملاحقة “داعش” إعلاميا، أتاح للمجتمع الدولي ولوسائل الإعلام الغربي ومعهم مثقفون عرب التغاضي عن ذكرى مقتل 1500 ضحية بالسلاح الكيماوي، لم ينصفوا إحياء ولا أمواتاً، الجاني لم يعاقب، ما زال طليقاً، ماض في إجرامه.

فقاعة “داعش” نفخ فيها جميع من جنى ثمرات جرائمها، وأسهموا في تحويلها إلى قنبلة متنقلة تتفجر بكل من يعترضها. ولئلا نبالغ ونفتقي الخيال الذي تجسّد بوحشية بالغة، لو أن قوتها حقيقية، فلن تمارسها في ذبح صحفي أعزل، ولا في سوق شبان صغار إلى الذبح كالخراف، ولا في استرقاق النساء وبيعهن، أو في تدمير الكنائس وتحطيم الصلبان، وهدم المزارات الدينية والمعالم الأثرية… أعمال استعراضية دموية في حقيقتها تعويض عن نقصان قدراتها، ومبالغ بقوتها، تقوم بها جماعة لديها أكثر مما يكفي لنشر الذعر وبث الرعب، بالقتل والتمثيل بالجثث من دون أي اعتبار. القتل جار على الطائفة والإسم… تسعى “داعش” إلى ترويج سمعتها بالعنف، ورفع مستوى عياراته إلى حدود مقززة.

إذا كانت “داعش” احتلت مساحات شاسعة، وإقامة دولة الخلافة، فلأن الأنظمة في سورية والعراق أسهمت في صنعها، “داعش” مدينة بوجودها لها، فهي قوة دخيلة، لا جذور لها في سورية، لم تصبح فاعلة إلا بسبب سياسات المالكي، انعكس التمزق العراقي على انهيار جيش العراق، أما النظام السوري، فتركها تتوسع في الأراضي المحررة، ما ساهم في تقويتها.

قرار أوباما بقطع رأس “داعش”، إعلان بالخروج من العزلة، لا يخفي تردده،على الرغم من قصف الطيران الأمريكي لنقاط تمركز “داعش” ومعاقله، عدم التراجع حتى الآن اضطره إليه غضب الاعلام الأمريكي من احتمال وصول الإرهاب إلى الأرض الأمريكية. لا يستغرب تراجع أوباما فقد تراجع من قبل عن خطوطه الحمراء بخصوص سورية، ورفض الاعتراف بآلام الشعب السوري، حسب زعمه ثوار سورية هواة انتفضوا على نظام قاس، كان الأجدر بهم الانتظار. أوباما لم يقبل بأقل من محترفي ثورات. اليوم تخطّى عدد ضحايا الحرب في سورية 190 ألف قتيل حسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هل كانت الثورة لتبقى، لو أنها ثورة بعض الريفيين وحفنة من الأطباء؟

تأهيل أوباما لحرب غير محدودة وطويلة الأمد، يحتاج إلى إجراء انقلاب على سياسته الخارجية لا يرغب فيه، لكن داعش ماضية في تحديه. ما الضمانة لاستمرار الحرب؟ لا ضمانة. في جميع الأحوال، لن تنجح إن لم يتوقف جميع الأطراف عن استثمار خطر الإرهاب علناً وسراً، واستخدامه لمآربهم بالتهويل أو بالتقليل منه، ففي الإبقاء على “داعش” مصلحة لهم، ولو كعصابة مشرذمة ومطاردة، تهديد لا يزول، يعرف الأطراف أنفسهم، انها صالحة للاستخدام من حين لآخر، ما دام بالامكان تقويتها أو اضعافها، إخفاءها أو اظهارها. الآمال ضعيفة، وطبول الحرب عالية.

حالياً، المعركة مع “داعش” بدأت فقط.