قدّمت الأنظمة العربية، بانتصارها على الثورات التي اندلعت فيها، مثالاً على سلوك أيّده العالم خفية، وتردّد في معارضته علناً، لكنه سيؤيّد جهودها في القضاء على الإرهاب، ويطالبها بالتشدّد في سحقه. فالغرب استُهدف مراراً، ولم تكن مخاوفه واقعية، إلا لتميّز الإرهاب بالسيولة، فخاصية انتقالاته عبر الأثير تهدّد دول العالم أجمع.

إذا اتخذنا النظام السوري أنموذجاً متقدماً ذا تاريخ، لم يفتر منذ سنوات عن مكافحته، فسوف نعثر على جذور تجارة تعتاش على أخطار واقعية متحركة، لا تقف في وجهها الحدود الدولية. لم يكن في ادعائه مبالغة في العمليات الإرهابية التي نالت منه، فما جرى على الأرض من تفجيرات وعمليات انتحارية تحت شعارات إسلامية، نجحت في استهداف أبنية المخابرات والحواجز المسلحة وغيرها.

التهديد الإرهابي، شكّل فائدة للنظام، كان بأمسّ الحاجة إليه لدعم دعاواه في قمع أي حراك شعبي بالرصاص والمدافع والطائرات والبراميل المتفجرة والكيميائي تحت العنوان نفسه: القضاء على الإرهاب. ففي الثورة ضدّه، تمكّن من تحويل عذابات الشعب إلى إرهاب، ما ساعده على ارتكاب أبشع الجرائم ضد تنسيقيات الثورة والمحتجين الشبّان، فاتهمهم بالإرهاب، حتى قبل ظهور الإرهابيين.

” التهديد الإرهابي، شكّل فائدة للنظام، كان بأمسّ الحاجة إليه لدعم دعاواه”

لا تنطلق كفاءة النظام السوري، على اعتماد الإبادة والقتل العشوائي والإعدامات والتعذيب حتى الموت في التخلّص من مناهضيه فقط، بل وفي احتفاظه بالإرهابيين في معتقلاته. كانوا مخزونه الاستراتيجي في وأد أي احتجاج، قد يخرج عن السيطرة. فالنظام المهدَّد من الشعب، لم يضحّ بأعدائه الدمويين دفعة واحدة، بل استثمرهم واحتاط بادخارهم، لزوم المؤامرات والثورات والتفجيرات والتصفيات، وضعهم تحت الرقابة، في متناول يده تحت الاستعمال.

أثبتت الوصفة المضادة للإرهاب نجاحها، بموجب قدرة النظام التي لا تنكر على اختراق الجماعات الإرهابية، وكان في المتاجرة به ابتزاز للغرب، وبقاء النظام مسلطاً على الشعب بالدرجة الأولى.

غباء الإرهاب، أثبت أيضاً إمكانية التلاعب به وتسييره عن بُعد، لعدم وجود ناظم للدين ما دام الإرهابيون لا يعتبرونه رحمة للعالمين، بل مقتلة للعالمين، مفتوحا على من يودّ دخول الجنة، والخلاص من الشقاء الأرضي، عن طريق الانتحار، أو إصلاح الناس بالقتل والجلد، أو التنكيل بالمؤمنين من أمثالهم لمجرد خلافات فقهية، فيرمونهم بالعلمانية، ما يؤدي إلى تكفيرهم.

لو لم يكن الإرهاب مجنوناً وأحمق ينشد السلطة تحت دعوى الخلافة، بقطع الرؤوس والأيدي؛ لأسقط أنظمة، شعوبها تكرهها. ولقد كان من طبائع تخبّطه سقوطه في حبائل الأجهزة الأمنية التي سارعت، مستعينة بخبراتها المتراكمة، إلى التأثير فيه، والتحكّم فيه، خشية أن يفلت وينطلق في مسارب لا يمكن ضبطها.

لا غرابة في حيازة النظام إعجابَ جزء من النخبة السياسية العنصرية الصاعدة في العالم، وتأييده كدولة شمولية تقدم لها من الذرائع، ما يساعد على دعم شعاراتهم الشعبوية لصالح دعايات انتخابية لا ضمانة لربحها إلا باسترضاء نوازع التفوّق المريضة لجماعات بيضاء لم تتخلص بعدُ من إرثها الاستعماري.