يعتقد الكثير من الكتّاب في العالم العربي أن الترشُّح لجائزة، سواء عن الرواية أو غيرها من مجالات الأدب، هو حيازة الكتاب على الشروط المعلن عنها فقط، أمّا الفوز بها، فيعتمد على نتائج لجنة التحكيم. المفروغ منه، فتح الأبواب للتنافس بين الكتّاب من دون أفضليات، تضمنها التصفيات بين المرشّحين التي تمر بعدّة مراحل.

بافتراض مراعاة الشروط، من النواحي الإجرائية، كتقديم الكتاب في الفترة الزمنية المنصوص عليها، وعام الصدور، هناك من يعتقد أن الكتاب الفائز لا يُخفي بعض نواحي الضعف، مع وجود الأحسن، ولا يستبعد أنّ السبب هو أنّ اللجنة نفسها تعاني من الضعف، إضافة إلى الأهواء المتحيّزة لكاتب أو لبلد.

هذا الانتقاد طالما تردَّد، طبعاً من الخاسرين، فاعتُبرت شهاداتهم مجروحة، ولم يجر التوقُّف عندها إلّا من بعض المنتقدين الغاضبين، وإن فسّر بعضهم أنّ هذا التساهُل يفسّره السعي لأن تصيب الجوائز أكبر عدد ممكن من الكتّاب، وعدم حرمانهم منها، سواء الذين يستحقّون والذين لا يستحقّون، كمساعدة الكبار والمخضرمين، وتشجيع الكتّاب الناشئين، ففي أوطاننا لا تدر الثقافة المال على الكتّاب، بقدر ما تذهب بهم إلى السجون أو التحقيقات، أو الإهمال والنبذ لكثرة المتسلّطين في الوسط الثقافي. الخلاصة لا يتعيّشون من كتاباتهم، وإنّما من وظائفهم.

من جانب آخر، تُعتبر الجائزة دعاية للدولة المانحة، وهي من المظاهر التي تلجأ إليها الدول الديمقراطية لتدلّل على اعتنائها بالثقافة ودرجة رقيّها. لكن في العقد الأخير اختلط الحابل بالنابل، فالدول بمختلف أنواعها، حتى تلك التي تكره الثقافة، أصبحت توزّع الجوائز، فأصابتها الشكوك. تُرى هل أصبحت من المظاهر الخداعة؟ فمثلاً هل تصبح الدول الدكتاتورية عندما تمنح الجوائز من بلدان الحريات؟

هل تصبح الدول الدكتاتورية عندما تمنح جوائز بلدانَ حريات؟

للجوائز جانبها الإيجابي، عدا مساعدة الكتّاب، انتشارُ الرغبة في الكتابة، لا سيما إذا كانت المبالغ كبيرة، ولا غرابة في أن عدد المتقدّمين لجوائز الرواية أصبح يُعد بالآلاف، وهو أمر جيّد ما دام كلّ من لديه طموح للكتابة يحاول، والأبواب مفتوحة للمشاركة. غير أن ما أخذ ينشأ مع الوقت أنّ الشروط المعلنة لا تعني الكثير، ولا اجتهادات لجنة التحكيم، في ظلّ مؤسّسات تقوم على منح الجوائز، وهذه المؤسّسات على دراية بعملها، بزعم عدم حصول تسيُّب في إعطاء المال لمن لا يستحق، أي أنّ هناك شروطاً غير معلنة وهي الفيصل في المنح، يمكن تشبيهها بجملة مبادئ عليا، يجب التقيد بها.

ماذا تكون هذه المبادئ العليا التي يجب مراعاتها؟

الامتناع عن مقاربة الموضوعات الحسّاسة سياسياً وأمنياً ودينياً. بينما الجنسية التي كانت تحت طائلة المنع، جرى التخفيف منها، فالسياسية أخطر بما لا يُقاس حتى من الدينية. هذا الوسواس من السياسي والأمني، أفسح المجال لأنواع أُخرى، ما منح الكاتب المزيد من الحرية، في الاستثمار مثلاً في الخيال العلمي، أي أنّ الحاضر في منتهى السعادة، وإذا كان هناك أشرار، فمحاربتهم في المستقبل لضمان السلام بين الأرض والمجرّات.

والكتابة أيضاً في الحفاظ على البيئة، هناك منظّمات عالمية تصب جهودها على حمايتها، فلماذا لا يحذو الكاتب حذوهم، ولو أنّ الدول لا تصغي إليهم؟ وربما الكتابة في الجنس، مجاراة ببوادر التحرّر، لكن بالتدريج، والتعريج على المثلية بحذر. وإذا كان لا بدّ من الدين، فالدفاع عن الإسلام، وفي الوقت نفسه التنكيل به، بشكل متوازن، نراعي المشايخ والعلمانيّين معاً. أمّا موضوع الساعة، فالتطبيع مع “إسرائيل”، ما علاقة الكاتب به، يستحسن تجنّبه، إنه شأن الدول. كذلك موضوع ربع الساعة الأخير، التطبيع مع النظام السوري، لإعادته إلى الصف العربي، وإبعاده عن إيران، ولو أنه ما زال راكباً رأسه.

للأسف، انعطف بنا الحديث من الممنوعات المتعارف عليها إلى السياسة. ما يحيلنا إلى أنّ أشد هذه المبادئ خطورة، الأمني المشتبك مع السياسي، تجلّى في الربيع العربي الذي اجتاح عدّة بلدان في المنطقة، ما أدّى إلى ثورات مهزومة لا جدوى منها أورثت الفقر، ولو أنّ أصوات الشعوب بُحّت من المطالبة بالإصلاحات لتستطيع مجرّد العيش.

المطلوب للأمان والاطمئنان، تحويل الربيع إلى جحيم، وهذا لا يحتاج إلى براعة من الكاتب. لو أجال بصره فلن يرى سوى الكوارث والخراب، فالثورة لم تكن ثورة، حسب نظرية “الزلزال” التي عبّر عنها أحد الكتّاب النابهين إرضاءً للأنظمة، برهنت عليها نتائج الزلزال، فالأوضاع عادت إلى ما كانت عليه، فالطاغية طاغية، أمّا الضحايا فالبكاء عليهم، كانوا من الأهالي، بعدما جرى تحويلهم إلى إرهابيّين، لم تُميّز البراميل المتفجّرة والكيماوي، بينهم وبين “داعش” و”النصرة”، فطاولتهم ولم تطاول الإرهابيّين. طبعاً هناك روائيّون من صيّادي الجوائز يستثمرون في الضحايا؛ فذهبت إليهم الأموال، استحقّوها عن جدارة.

تُمنح الجوائز ضمن هذه الشروط، أي أنّ لجان التحكيم هكذا ارتأت، وطبعاً بوسع هذه اللجان مهما تبدّلت وتغيّرت تبرير أيّ شيء، فهي ليست لجان تحكيم إلّا لتبرّر كلّ شيء.