كان العنف على مر العصور هو منطق العالم في التقدّم نحو الأمام أو نحو الخلف. إن وقوع النزاعات البشرية تحت قبضة العنف لهو الفضيحة الكبرى للإنسانية التي ما زالت تراوح على الأرضية نفسها، دون النجاة منها.
الحرب هي إحدى تجليات العنف، تتميز عن غيرها بأن العنف يأخذ حدوده القصوى باستعمال الأسلحة الفتاكة، من دون استثناء أسلحة الدمار الشامل، وما يوازيها أيضاً من الصواريخ ذات القدرة العالية على التدمير، وباختراع أسلحة جديدة تتميز بإيقاع أكبر قدر من الأذى والخراب.
لم تعد الحضارة معياراً للنضج البشري والاتجاه نحو الحلول العقلانية المسالمة، فالحضارة مثل التخلف تستخدم القوة في تصفية حساباتها. إن لدى حاملة طائرات واحدة القدرة على تدمير ما تعجز عنه عصور من الهمجية. وفي مثال الحرب السورية، استعمل النظام البراميل المتفجرة، وهو سلاح عشوائي قذر، قادر على تكبيد المدنيين خسائر فادحة في الأرواح، ويلحق تخريباً واسع النطاق في البنية التحتية.
دوامة العنف التي تعيشها البلدان العربية في تاريخنا المعاصر لا تنتهي، سواء بالعودة إلى الفترة الاستعمارية، وفي ما بعد عهود الانقلابات، وحركات التغيير الثوري وما رافقها من متغيرات قسرية وسجون ومعتقلات، ثم ما جاءت به فترات الاستقرار من أنظمة أمنية شديدة القسوة، كذلك القمع السياسي والتعذيب للمعارضين، حتى أصبح هناك ما يدعى بـ”أدب السجون”.
“لم تعد الحضارة معياراً للنضج البشري والاتجاه نحو الحلول العقلانية المسالمة”
ومؤخراً إخماد الاتجاهات الإسلامية المعتدلة، ودفع الأصولية والمتطرفة منها إلى الواجهة، وردّات الفعل المقاومة و”الانتحارية” على الاحتلال؛ لم تترك فترات هدوء إلا في أزمنة انتزعت خلسة من هذا الإيقاع المعاند للسلام.
لا يقتصر العنف على الحرب أو على أزمنة الاضطرابات. إن العواطف الهوجاء بانحرافاتها تودي إلى العنف المادي، فهناك ضحايا للحب والغيرة والحسد، والقهر الواقع على المرأة. كما يمارس الأرق والقلق على البشر خللاً نفسياً يجعل الحياة لا تطاق، أيضاً الخيانة والتجاهل والإهمال، تعكس على الرجال والنساء صنوفاً من العنف النفسي لا يقل ضراوة عن العنف الجسدي، يطيح بتوازنهم ويقلب حياتهم إلى جحيم، ويجعلهم فريسة لردود أفعال مرضية، ربما أودت بهم إلى الانتحار.
تحسس الأدب إشكالات العنف، ولم يتجنبها. للأسف، الأدب ليس داعية سلام، وإن شارك في هذه الجهود، وعلى الرغم من الروايات المضادة للعنف، لم يفلح تراكمها مع الزمن في منع حرب أو صنع هدنة. ففي أزمنة التوتر والهيجان القومي والشعبي، كان نداء الحرب أقوى من نداءات السلام. كذلك في أزمنة الهدوء والوئام لم تخفت أصوات قرع طبول الحرب، بالعكس كانت الأصوات الأعلى والأكثر صخباً التي تردَّد صداها عبر تاريخ البشرية.
إن اتخاذ موقف واضح إزاء الحرب، يتطلب إدانة سافرة، بالاستناد إلى موقف أخلاقي يعتبر أن الحياة الإنسانية هدف أسمى، لا يجوز التنازل عنها ولا الاعتداء عليها تحت أية ذريعة.
-
المصدر :
- العربي الجديد