في صور ضحايا القتل بالرصاص والسكين، يختفي جمال الموت، وتتوارى سكينته خلف الدماء، بشاعة القاتل مهيمنة، البشر ليسوا عديمي إحساس، ما يشهدونه من تشويه إذلال للإنسانية. يصبح لأي جمال لمسة تبعث الشعور بالذنب.
تصبح الحياة أسيرة الوجه القاسي للإجرام، المفتتن بالقتل، والمولع بالإبادة، والمهووس بجاذبية حصارات التجويع والتركيع والترحيل، وإغراء إسقاط البراميل المتفجّرة على رجال ونساء أمام فرن أو سوق شعبية؛ والتهليل بإفناء عائلات بكاملها. والنشوة التي يخلفها ذبح أطفال يتبوّلون من شدة الرعب في ملابسهم…

ما تفسير التجاهل المخيّم على العالم؟ ترى بدافع التشفي، أم بوازع الغرور، أم الاعتياد والتعالي على مآسي البشر، أم لانعدام الحيلة؟

العالم في موضع الاتهام. كيف يُترك ملايين البشر عرضة للقتل والقصف والتهجير والنزوح طوال ما يقارب سبع سنوات، من دون التدخّل جديّاً لإيقاف مأساة تتجدّد يومياً، لم تستمر وتتفاقم إلا بفعل التدخلات الدولية الخارجية؟ نحن نعيش في قلب عالم غدا غير إنسـانيّ بصورة مفجعة، وغير مبالٍ بصورة متطرّفة. ما يجعل الاتهام مضاعفاً، إزاء تجاهل جريمة ما زالت ترتكب عن تعمّد.

العار أن الكارثة السورية تجري في زمن العقل والحريات، في زمن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومجلس الأمن الذي “يكفل الأمن في العالم”. وفي زمن أصبح الفارق بين الخير والشر فاقعاً، وبين الديمقراطية والدكتاتورية مكشوفاً. في هذا الزمن نفسه، تغوص الحياة في سورية في بحر من الدماء، وتتعثّر بأشلاء الجثث، وملايين النازحين، وخراب أحالها إلى حطام من جانب، و”دولة مفيدة” في الجانب الآخر، وجه فائدتها، مواصلة القتل والتدمير.

لا مبالغة في اتهام الدول الكبرى، ألم ترهن مصائرنا لمصالحها؟

يحيلنا العالم إلى تاريخ البشرية، إنه تاريخ الرعب. الدرس يقول؛ الحياة تمضي، والنسيان قادر على إرسال ما يعج به عالمنا من شرور إلى الماضي، فالتاريخ ابتلع حروباً ومجازر لا تعدّ ولا تحصى. لم يبق منها سوى صفحات في مجلدات بلا نهاية. وما دام الحاضر لا يكف عن تزويده بالجديد منها، فالحياة للأحياء، والأموات للقبور.

لن تضع الكتابة حداً للموت السوري، إنها عاجزة، لا تمثل من شدّة الألم سوى صراخ مكتوم في عالم أصم. كتب الفيلسوف تيودور أدورنو، في مقال له بعد انكشاف المحرقة: “من البربريّة كتابة الشّعر بعد أوشفيتز”. مجزرة الحولة، تعبّر عما لا يقل عنها، أمام الضحايا من المروّع الاستمتاع بالشعر.

هل يعتبر الشعر تعدّياً على مأساتنا؟ إذا كانت الهمجية مستمرة، فالفن هو الإنجاز الأبقى للإنسان، والفعل الأقوى المضاد للكراهية. في أزمنة التوحّش، لا يجب التهاون في كل ما يشهد على إنسانية البشر، مهما بلغ هول جرائم البرابرة، فالجريمة أيضاً هي الحجرُ على الجمال، لا بد من داخل هذا الخراب أن تنبت زهرة تعيد لنا الإيمان بأن هناك وجهاً آخر للحياة.