تحدِّقُ في الغلاف مبهوتاً، تذهلك عتبة النص الأولى ((السوريون الأعداء))… وتتساءل: كيف يكون السوريون أعداء؟! فيجيبك فواز حداد بسلسلة من الصدمات تشكل بمجموعها مسرودة بانوراميَّة أشبه بالسينمائيَّة، تتَّبع مشاهد الكوارث الإنسانيَّة المهولة في خمسين السنة الأخيرة من تاريخ المأساة السوريَّة.

وينجح المؤلف المحترف ببراعة في تحويل المعلومات التاريخيَّة التي يعرف العامَّة أكثرَها إلى شكلٍ روائي فنيٍّ مركَّب، يتمكن من المتلقي، ويستلبه كلَّ ما يعرف، لصالح ما تعرفه الرواية، ناسجاً بخيوط الدم والفجيعة لوحة تشكيليَّة سرديَّة فائقةً في تاريخيتها.

يبدأ التحفيز الروائي في ((السوريون الأعداء)) عندما يدخل الضابط غير المكلف حيَّ الكيلانيَّة شبه المدمَّر في حماة، ليرتكب جريمة لا معنى لها إزاء الجرائم الكبرى المرتكبة، فما معنى أن تضيف أربعة قتلى أو خمسة إلى قائمة تجاوزت الثلاثين ألفاً؟! لكنَّها الجريمة التي لا مناص من ارتكابها كي يترقى، ويغدو جزءاً طبيعياً وعضوياً في نظام سياسيٍّ لا يفهم سوى لغة القتل. ويطلق الضابط النار بدم بارد ودون أيَّة مشاعر على أسرة الطبيب عدنان، فيردي الجدَّ وكنته وأحفاده قتلى، ويفتعل الحدث الروائي…

ويؤسس المبدِع من هذا الحدث الروائي المُختلق البؤرة الروائية المُحفِّزة، لكنَّ هذا الحدث ليس مجرد مشهد روائي فانتازي أو مجرد بؤرة تولِّد أحداثاً، إنَّه الحقيقة التاريخية التي أوجعت قلوب السوريين، وأرَّقت ذاكرتهم دهراً من الزمان، بعد أن رواها شهود العيان من الناجين من مذابح حماة.