إنها الرواية التي تحقق أكبر عدد من المبيعات، وتمنح الكاتب شهرة طوال أسابيع، وربما أكثر، وتدر المال الكثير على دار النشر والكاتب. تصبح طعماً للنسيان، بعد انتهاء الفترة التي لمعت فيها الرواية، لكن بعدما ضربت ضربتها، بما يعتبر في عرف الصحافة: ضربة حظ، لإنجازها ما يدعى بالنجاح السهل.

بالمناسبة، لا يمكن الاطمئنان إلى الحظ فقط، لئلا يعتمد الناس عليه، فيصيبهم بالخيبة، فالنجاح صناعة، طالما الدعاية هي التي تصنع الضجيج، ما يحقق أرقاماً قياسية في المبيعات، من دون النظر إلى أنها رواية عظيمة أو رائعة أو عادية، ومن دون أن تشكل معياراً للأدب الجيد، لكنها ظاهرة لافتة، تمثل دونما مبالغة جزءاً من واقع ثقافي وتجاري بالغ التعقيد في الغرب، نحن نعمل على تقليده اليوم، وإن بشكل محدود جداً، إننا نتدرب، لكنه سينمو، مع تكاثر دور النشر والإقبال على القراءة، وأكثر من سيقدم له هذه الخدمة قراء ملولون، يريدون التسلية، أو من يريد إقناع نفسه بأنه يقرأ الكتب الأكثر شهرة وتأثيراً، باعتبار أنها قيمة، وتجاري العصر، كل هذا يمنحه له كتاب يشتريه بنقود قليلة، فيحوز على قراءة ممتعة، وثقافة راقية.

خطر الأكثر مبيعاً بات في الغرب أكثر مردوداً مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي عنصراً أساسياً في ترويج الشوكولا، والأدوات المنزلية، والمياه الغازية، وما بات يوصف بالملابس النسائية.. فلماذا لا تشمل الكتب؟ إن ظهور مؤثر أو كاتب على منصة مثل “إنستغرام” أو “تيك توك” يتحدث بحماسة، كأنه في لقاء جماهيري عن رواية ما، ربما كانت روايته، كفيل بإقناع آلاف المتابعين بشراء العمل. أما عن التقييم النقدي الجاد، فكلامه موثوق، استناداً إلى شهرته، وآلاف المتابعين، أو الملايين.

هذه الظاهرة لا يمكن التغلب عليها، لكن يمكن الحد منها، ولو أنها أصبحت تجارة بحتة، دخلت في عالم البيع والشراء. فالكتاب أصبح مجرد منتج يمكن استهلاكه، ما دامت المطابع لا تكف عن الطباعة، ودور النشر تكدس الأرباح من الأدب، سواء كان رفيعاً أو سميناً أو هزيلاً، ما المشكلة؟ ما دام هناك من يشتري. وإن كانت باعتبارها ظاهرة تثير تساؤلات جدية حول القيمة الأدبية الحقيقية للرواية، مع غياب المعايير الفنية والاجتماعية، أي فقيرة لغوياً، سطحية من حيث الموضوع، وتفتقر إلى البعد الإنساني أو السياسي العميق… كل هذا لصالح الربح السريع والشهرة الآنية.

تثير هذه الظاهرة تساؤلات حول القيمة الأدبية الحقيقية للرواية

العقبة أمام هذه الظاهرة، هو النظر إلى الرواية على أنها مرآة تعكس الواقع وتنتقده، وساحة لطرح القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تؤرق المجتمعات، فأن تكون مثيرة للدهشة لا يكفي، خاصة أن كثيراً من هذه الروايات التي تتصدر قوائم المبيعات، تبدو بعد قراءتها أشبه بمنتجات ترفيهية سطحية، لا تقدم جديداً في عالم الأدب، ولا تحاول ملامسة الواقع أو تفكيكه. هي روايات تبتعد عن الأسئلة الصغرى والكبرى، وتكتفي غالباً بسرد قصص رومانسية نمطية، أو حبكات مكررة، بلغة سهلة حد التفاهة أحياناً، خالية من أي إبداع فني أو عمق في الرؤية. والنتيجة: مشهد أدبي مشوّه تهيمن عليه الكتابات التجارية، فيما يُهمّش الأدب الحقيقي.

وبما أننا مقبلون على التعاطي مع هذه الظاهرة، لا بأس بالحديث عن الخسائر التي يحدثها الأكثر مبيعاً، والعمل على تلافيها برفع سوية الذائقة الأدبية للقارئ، عبر تنشيط النقد الجاد، من خلال نقاد متخصصين، وليس نقد الشلل المتواطئة مع أفرادها، ولا النقاد أصحاب المجاملات والعلاقات الشخصية، البارعون في تزكية الأدب الرديء، والعلاقات الأدبية المشبوهة، كما نرى في استبدال النقد الحقيقي بالمديح المجاني، والتقييمات السطحية.