في هذا الشرق، فلنهتم بأحوال بلداننا، ونتساءل عن سر تقدم الغرب وتأخرنا، مع أنه يخشى أن يصبح هذا السؤال، خالداً أسوة بحكّامنا، فالحاكم يرث الحاكم، وسواء ورثه أو لم يرثه، فهو نسخة طبق الأصل عنه. ما يملي علينا التفكير بأن يكون الحاكم معقد آمالنا، ففي تقدمه تقدمنا، وفي تأخره تأخرنا، ما دامت حركة التاريخ وضعته على كاهلنا، دونما وقت محدد، فالزمن مفتوح له، كما يبدو إلى مدى غير معلوم، لكن ليس إلى الأبد، الربيع أبطل هذه الخرافة. وهذا ما يجرنا إلى الكتابة عما يعنيه رجل الدولة.

بالعودة إلى سقراط الفيلسوف، ينصح رجل الدولة أن يعي جيداً مسؤولياته الكبرى في مجال الحرب والسلم، وألا يجهل المآسي التي يمكنه إحداثها نتيجة قراراته الخاطئة. لكن قبل كل شيء، عليه ألا يتردد في الاعتراف بتواضع معارفه، وبالتالي التواضع في ادعاءاته. وإذا توخينا الحقيقة، فإن ما يعرفه، هو أنه لا يعرف إلا الشيء القليل.

إذن يحتاج رجل الدولة إلى مستشارين، ونصحاء أمناء، وأشخاص لديهم المعرفة الواسعة في اختصاصاتهم. ولا تجاوز في القول، إنه مهما بلغت معارفه، فسقراط المشهود له برجاحة العقل، أكد أنه لا يعرف إلا الشيء القليل، وربما بالنسبة لبلداننا التعيسة أقل من القليل، وإلا لم تكن هذه البلدان الجميلة في منتهى البؤس.

” ما دامت الحكمة لا تزيد عن جيش يتكفل بتأديب الشعب”

يزعم رجل الدولة في بلداننا، عدا المعرفة، الحكمة والذكاء، وأنه الوحيد الذي يمتلك القدرة على الحكم والاستمرار في السلطة، وإن كان من المشكوك فيه امتلاكه هذه الخصال، مع أن الواقع يقول إنه يمتلك القوة، المتمثلة بجيش مسلّح وأجهزة أمنية.

لا يعني هذا أن رجل الدولة غبي أو مغفل، الشواهد تقول إنه رجل محنك يدرك ما يتحلى به من نقائص، الواقع والوقائع تجابهه بها، وهو لا ينكرها، فالحكم ليس رفاهية ولا تسلية، يدرك أنه ليس أهلاً له ولا يستحقه، لكن لا يستحقه غيره أيضاً، وإذا كان جاهلاً، فغيره جاهل أيضاً، وإذا كان لصاً، فغيره لص أيضاً. وما قدراته، إلا مجرّد مزاعم. ويدرك تماماً أن قوة البطش هي القادرة على إبقائه في السلطة، لا الكفاءة. لو كان هناك فحص قبول للحكام، لسقط فيه بجدارة. لكن ما دامت الحكمة، لا تزيد عن جيش يتكفل بتأديب الشعب إن رفع الصوت وطالب بالحرية. أما المعرفة، فأجهزة الأمن تزوده بالمعارف كلها، وماذا تكون غير تلك الملفات الأمنية عن المؤامرات الوهمية التي تدبر للبلد، وما تقوم به من إجراءات لحمايته بالاعتقالات وتلفيق الاتهامات، إذ كل شخص معرض للاتهام.

إذا كان ثمة ما سيُجهد رجل الدولة ذهنه في التيقن منه، فمعرفة كيف يمنع الناس من التفكير بأحوالهم، وعدم المطالبة بحقوقهم، والرضا بما قسمه لهم، لا من ناتج عملهم، وأن المساواة التي يفرضها، تتناسب مع الولاء الأعمى له، ولو كان في عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. أما لقمة العيش فمن أعطياته ومكرماته.

فلا نعجب، إذا كنّا في حالة تأخر، فالحاكم ليس رجل دولة بل رجل نظام يُصنع على قدّه، حسب احتياجاته، بالتالي لن يكون إلا بمواصفات سيئة. لذلك لا بد من تصحيح العنوان من “رجل الدولة” إلى “رجل النظام”.

اقــرأ أيضاً