هل نحن على موعد مع الدكتاتورية، ولم تغادرنا بعد؟ بشارة سوداء، تذهب بآخر الآمال التي بنيت على “الربيع العربي”.
أواخر القرن الماضي، عاشت الدكتاتوريات أحرج لحظاتها، وكانت في مرحلة انحسار، تلفظ أنفاسها. ولم يعد ثمة متسع في المستقبل القادم على عجل لدكتاتوريات ترتع فساداً في بلدان العالم الثالث، مع أنها كانت ساحة للتجارب الأيديولوجية السوفياتية والرأسمالية؛ بدا الزمن لن يطول بها حتى تتلاشى، وتصبح جزءاً من الماضي البشع للبشرية، لكن العمر امتد بها.
مؤخراً، بدأت الآمال تنعقد على إعادة الاعتبار إليها، على أرضية واقعية، فالواقع لا يكذب.
أثبت الدكتاتور طوال السنوات السابقة أنه المثل الأعلى للاستبداد، يقتدي به الموالون، ويموتون من أجل أن يحيا، هتافات الجماهير تفتديه: بالروح والدم. وإذا قيل إنها جماهير عمياء، لكنها مؤمنة به، قد تكون منقادة بالغباء، وهل يلزمها الذكاء؟ إذا كانت لا تعتقد في نفسها القدرة على صنع أقدارها، فالدكتاتور ضرورة للمستقبل، ليقودها إلى المجد.
” لن تعجز الشركات العالمية عن تنظيف صورة الدكتاتور مهما بلغ قبحها”
لم تفتقر الدول الكبرى إلى النظر الواقعي، مصالحها الحيوية نحت إلى تأييد الدكتاتورية، ومراكز الأبحاث نصحت برعايتها، استناداً إلى أن هذه الشعوب الجاهلة تنتج الأديان المتشددة والمذاهب المتقاتلة، وارتفاع معدّلات الإنجاب يزوّد التفجيرات بالانتحاريين. وما يفيض عن الانفجار السكاني، يتسرّب إلى الغرب تحت صيغة اللجوء الإنساني، ليزرع في بلدان المهاجر المتحضرة بذور الموت كأسلوب للحياة، ما يودي بالرفاه إلى الجحيم.
طبعاً، سمعة الدكتاتورية السيئة، تحتاج إلى تنقيح، إن لم يكن إلى ترميم بعد عاصفة الربيع. من حسن الحظ، توافر شركات عالمية غربية لديها الخبرة على تحسين صورة أي نظام سافل، وتصديره إلى العالم بحلّة قشيبة. الجرائم مهما كانت مروّعة، النسيان كفيل بها. مسيرة الحياة لا يعرقلها الموت تحت التعذيب، ولا الإعدامات الميدانية، أو اغتصاب النساء والرجال والأطفال. الشركات التي تخصّصت في غسيل الدكتاتوريات من ماضيها الدموي، لن تعجز عن تنظيف صورة الدكتاتور، مهما بلغ قبحها.
بالنسبة إلى الداخل المنكوب، حيث لا معارضة ولا معارضين، النتائج مضمونة. وإذا كان العالم، لا ينسى، لكنه يتسامح مع القادة الأشرار، في حال كتموا أنفاس شعوبهم. أما العدالة والحرية، فلا تهم، ما دامت لا تخصّهم.
الدكتاتورية باقية، ما دام الظن أن “الربيع العربي” رحل إلى غير ما رجعة، وحان أوان انقلاب الدول الخارجة على القانون إلى دول تمثل القانون، تراعي أنظمة المرور والإشارات الخضراء والحمراء، والتقيّد بالتسعيرة، ومحاربة الاحتكار، والالتزام بالأخلاق القويمة.
ما يعزّز الأمل في المستقبل، أن للدكتاتورية حسناتها التي لا تنكر، فهي علمانية، وترغب في رفع مستوى شعوبها، بالحد من التزايد السكاني المشبوه، وتهجير الأهالي غير المرغوب فيهم. الأهم، أن الدكتاتور سيضمن استقرار بلاده مئات السنين، إن لم يكن للأبد، توفرها سلالة من الرؤساء الخالدين، لا المعارضين الفانين.
-
المصدر :
- العربي الجديد