ثورات “الربيع العربي”، اندحرت لكنها لم تودّع أرض المعركة بعد، تبعثرت بؤراً صغيرة على امتداد المنطقة العربية. الأنظمة نجحت بخلط أوراق الثورة بالإرهاب، بعدما صنعته وشجعته مدعومة بالغرب الديمقراطي وملحقاته من الروس والإيرانيين. وحتى لو تلاشت الثورة فهناك من يخشون عودتها، فالثورات تخترق العصور. أسباب عودتها متوافرة، ما سيتلو الربيع يبشر بعهود طغيان جديدة.
يزعم الغرب أن سبب عدم تدخله، تعقّد الأزمة السورية، وما نجم عنها من حرب أهلية وطائفية وإقليمية، وليس من حلّ إلا السياسي وبالدبلوماسية. الغرب تبنّى ثقافة التفاوض على المدى الطويل، وهي مجموعة آليات نجاحها مرهون بالتنازلات والمساومات، ما يؤدي إلى تقاسم المنافع بين الدول الكبرى والإقليمية بأقل التكاليف، عدا البلد المعني، حصته النكبة.
وليس في هذا إغفال لرطانة جهود الغرب بقدرته على تجاهل الحلول حتى السياسية منها. سورية منذ خمس سنوات لم تظفر بتحرّك حقيقي ينحو إلى إيقاف ما تعانيه من حرب عمياء وهمجية.
” اقتصرت حماسة الغرب للربيع العربي على الشبيبة الغربية”
لن يأخذنا سوء الظن إلى أكثر من أن الدمار، هو الوضع المثالي لسورية التعيسة، فالأصداء القوية للحرب الملعلعة في استغاثات المحاصرين بالتجويع، والأطفال المحرومين من الحليب، وآلاف الشهداء بالقصف العشوائي، لم تجد أُذناً صاغية من الإنسانية المختطفة التي وجدت في أيقونة الإرهاب تعويذة تخلي مسؤوليتها الدولية من سورية الذبيحة والتصرّف على أنها مجرّد حرب مذاهب، مسلمين يقتلون بعضهم بعضاً، لا يمكن تمييز أيّهم على حق، كلّهم ارهابيون، ومعضلة إسلام عاد الى الحياة متأخراً ومدججاً بالأسلحة والذقون الكثّة والفتاوى المميتة.
خاض الغرب حربين عالميتين زادت ضحاياها على أربعين مليوناً، خلّفت العنف منبوذاً، والشعوب تحاسب الحكومات، لذا يحاول سياسيوهم جني المكاسب مجاناً من دون مقابل، إلا إذا اعتبرنا المساعدات، وعقد الاجتماعات وإطلاق التصريحات هي المقابل. يمكن تفهم هذا الموقف بالعودة الى أسباب سقوط حكوماتهم وتساقط سياسييهم، لم تعد وراءها سوى الفضائح السياسية والمالية، أو الجنسية، كانعكاس حميد للرخاء والرفاهية.
اقتصرت الحماسة للربيع العربي على الشبيبة الغربية، بينما كان ترحيب حكوماتهم خجولاً، لعدم جواز الإنكار العلني لمطالبات المتظاهرين من أجل الحرية والكرامة.
بينما شجّعت سراً على سحق هذه التقليعة المجافية للطغيان في بلاد العرب، فلم تمنع مصانعها من تصدير بنادق القناصة، فأدت دوراً مشرفاً في قمع المظاهرات، ولعبت دوراً فعالاً في قتل المحتجين المسالمين الشبّان في مصر وليبيا واليمن وسورية. هل بادرت دولة أوربية لإيقاف تصديرها؟
لم تتنفس الحكومات الغربية الصعداء، إلا عندما بدأ شبح “الربيع العربي” بالانحسار. لا أحد تصوّر أن هذه الثورات البريئة والمحقة والعادلة قد تتعرض إلى خيانة الديمقراطيات وغدرها. وهكذا على نمط النظام السوري الذي أطلق سراح الإرهابيين من السجون، سمح الغرب لإرهابييه بالسفر إلى سورية.
فلماذا لا تُعتمد الدبلوماسية كوصفة للموت العاصف والبطيء للثورات العربية؟
-
المصدر :
- العربي الجديد