تنتمي الحروب بحسب طبيعتها إلى العصور الهمجية، ومن العجيب أنها لا تقل انتماء أيضاً لعصور الإيمان التي باركت حروباً دينية على مدار مئات السنين، كانت في أحد وجوهها الشنيعة، حروب إبادة. في عصر العقل، ستكون الحروب أكثر تدميراً ووحشية، تدور بين دول وتحصد شعوباً.

من جانب آخر، ستبدو الحرب حافزاً على التقدّم، فبإسقاطها إقطاعيات وإمبراطوريات، لا تعدو أكثر من مادة يستعين بها التاريخ على تسجيل لا معقولية أساليب الجنس البشري في التطوّر.

أسبابها الفعلية، تبدو اليوم تافهة، بالمقارنة مع ما سبّبته من كوارث وآلام إنسانية، لم يكن للعالم أن يتقدّم، لولاها، هذا إذا كان قد تقدّم فعلاً. بالأحرى، ماذا يعني التقدّم وسط جحافل المشرّدين والثكالى وأصحاب العاهات؟ أليست هناك وسائل أخرى للتقدّم المسالم؟

وصف تشرشل أوروبا ما بعد الحرب بأنها “كومة أنقاض، ومقبرة، وأرض خصبة للأوبئة والكراهية”. وكانت برلين حسب الصحافي وليم شيرر: “أرض خراب تامّ، لا أظن أن هناك دماراً وقع من قبل قط على مثل هذا النطاق”.

” لم تنعكس الحرب العالمية الثانية على الرواية العربية”

كان لا بدّ للأهوال التي نجمت عن الحرب العالمية الثانية سواء الخسائر البشرية (61 مليوناً) أو تدمير مدن بكاملها، أن تنعكس في روايات الدول المشاركة في الحرب، فكان للرواية الأوروبية والأميركية والآسيوية نصيب فيها، تكشف عن كلفتها الإنسانية المروّعة، كما في رواية “إمبراطورية الشمس” لجيمس بالارد، ورواية “صمت البحر” للفرنسي فيركور.. إلخ، عدا عشرات الروايات الروسية.

وما زالت رواية الحرب تتردّد حتى الآن كما في رواية “المريض الإنجليزي” لمايكل أوندانجي، وكذلك تنهل السينما من حرب لم توفر جريمة لم ترتكبها، من القتل والاغتصاب إلى القنبلة الذرية.

لم تنعكس الحرب على الرواية العربية، مثلما حدث مع الرواية الغربية. يبدو هذا التباين مفهوماً، فميادين الحرب الرئيسة في أوروبا، وامتدادها إلى المستعمرات، لم يكن بالضراوة التي شهدتها جبهات روسيا واليابان على سبيل المثال.

وكان انعكاسها على العرب ليس بما شهدوه من أهوال في الحرب العالمية الأولى، من المجاعة التي ضربت بلاد الشام، وأحرقت الأخضر واليابس، إلى تجنيد الشبان بالقسر في الجيش العثماني الذاهب إلى قناة السويس لمحاربة الإنجليز، وعودته مهزوماً.

كانت حرب “السفر برلك” كما دُعيت واحدة من أسوأ ما مرّ على المنطقة من فجائع، وكان أبرز ما ظهرت في رواية “الرغيف” للروائي اللبناني توفيق يوسف عواد.

لكن الحرب العالمية الثانية لم يكن لها هذا الصدى في الرواية. الأحداث التي رافقتها كان لها أثر أكبر، وإذا كانت مظاهرها انعكست بشكل ضئيل في رواية “المصابيح الزرق” لحنا مينة، وثلاثية نجيب محفوظ وغيرها، وليس على نحو مروّع، فلأن بلاد الشام في تلك الفترة كانت تحت الانتداب الفرنسي والإنجليزي، تنتظر انتهاء الحرب، على أمل نيل الاستقلال، أو خوض حربها.