هل تلعب الجوائز الأدبية دوراً في دعم الأدب الجيد، وتسليط الضوء على النتاج الأدبي الذي يستحق أن يبقى؟
يجب الاعتراف بأن الجوائز باتت تلعب دورا مهما في ترويج الرواية، خاصة في سرعة انتشارها، والاقبال الكبير عليها كتابة وقراءة. لكن هل تدعم الادب الجيد، بمعنى تسليط الضوء على النتاج الأدبي الذي يستحق البقاء؟ لا أعتقد أن هذا وارد في أية جائزة، فالجوائز عموما في عالمنا العربي، لديها غايات ليس الادب على رأسها، انها بالنسبة للدول مجرد مظهر ثقافي لا أكثر، يضيف للدولة ما يعود بالفائدة عليها بوصفها راعية للثقافة، ما يغطي على جرائمها أحيانا، فتدعم الجوائز، وتوكل أمرها لمؤسساتها الثقافية، التي تمثل سياساتها.
وقد تكون الجائزة تابعة لتجمعات وشلل مستقلة، تروج لأعضائها على انهم سدنة الادب، فيساند بعضهم بعضا، وتمنح الجائزة لمن يتوافق مع توجهاتها، وكأنها أخويات ثقافية مغلقة، وكالمعتاد لا علاقة للأدب في اختياراتها.
ماذا عن الفائزين بالجوائز؟ لئلا نعمم. لا يستبعد ابدا أن تفوز بها اعمال أدبية ذات سوية عالية، لكن هذا يتم بمحض المصادفة، ولا يعول عليه، وليس القاعدة.
ولنكون واضحين، المقصود عدم الوثوق بالجوائز ما دامت تمنح لأسباب غير أدبية بالدرجة الأولى، وهذا يشمل الجوائز المعروفة البوكر وكتارا والشيخ زايد وغيرها، وهي جوائز مسيطر عليها تماما، لديها ممنوعات قد تتغير من عام لعام، فمثلا خلال سنوات “الربيع العربي”، رُفضت جميع الروايات التي حملت شبهة من الربيع، حتى أنها لم تقرأ، وذلك في مختلف البلاد العربية دونما استثناء، بحجة انها سياسية، ولا تقبل إلا الروايات الإنسانية التي تعتني بالفن الروائي، وكأن الربيع العربي ليس هدفه الانسان، اما الفن، فهو المجهول الوحيد، الجميع يتكلمون عنه والجميع يجهلونه. لكن لابد من حجج، وهي لا تزيد عن تعلات مفضوحة.
للجوائز حساباتها، والدول تدرك مفاعيلها، ما دام أنها تمنح الشهرة والمال، لهذا هناك معايير تعمل بموجبها، مثلا من ناحية التوزيع الجغرافي بين الدول العربية، وثقل كل دولة سياسيا وليس ثقافيا، وهناك قوائم بالممنوع والمسموح، حسب البلد المانح، ما يُسمح في بلد يُمنع في غيره، فالروائي الصياد اللاهث وراء الجوائز، عليه التعرف على القوائم، وما يطرأ عليها من متغيرات. أما الخطر، فانعكاسها على الرواية، فبينما المطلوب الكتابة بحرية، يفرض الروائي الرقابة على ما يكتبه، وهي رقابة مع الوقت تصبح دونما حدود، ما يعني أن الدول وضعت يدها على الثقافة، فإذا أراد الكاتب أن تكون له حصة في الشهرة، أو احتلال مكانة في الثقافة العربية، فعليه التقيد بقوائم المنع، وإلا ناله التعتيم.
عدا ذلك، يجب أن يظفر الروائي بعلاقة طيبة مع المتنفذين في هذه المؤسسات الثقافية، وذلك ببذل جهد في الصحافة الثقافية، وهو المتاح للصحفيين، بتقديم خدمات ثقافية للبلدان المانحة، وهو مديح نشاطاتهم الثقافية، فينتفع بجائزة. غالبا، لا جائزة من دون علاقات شخصية مع الوسط الثقافي، والقائمين على الجائزة، وبعض افراد من لجنة الحكام، كي تحظى روايته بالترشيح، خاصة ان الحكام لا يقرأون الا الروايات التي يُنصح بها، فالحكام لا يشترط أن يكونوا مؤهلين لإصدار احكام نقدية. وما التقييم الذي يمهرون به الروايات الفائزة، إلا تقييما عاما، يمكن أن يلائم أغلب الروايات.
أما الضرر الحاصل، فيقع على القارئ، حيث يعتقد ان الروايات الفائزة هي التي تستحق القراءة، لهذا نشأ تقليد، حتى من القراء المواظبين وهو عدم قراءة إلا روايات القائمة الطويلة أو الاكتفاء بالقصيرة… هذا هو الادب المعترف به. لهذا ليست الرواية هي الضحية فقط، بل الروائي أيضا، عندما يوظف موهبته لما هو مطلوب منه، لا لما يرغب بكتابته.
تكريس هذا التقليد يلحق أكبر الضرر بالرواية في بلداننا العربية، عدا الرقابة، الحاق الغبن بالروايات التي تستحق ان تكون داخل التنافس لا خارجه، وهو ما يتكرر سنويا، المؤسف، أن الفساد لا يستثني الثقافة.
في عالم الرواية، لا يكتب الروائي بهدف الفوز بجائزة، يجب أن يكون هذا بعيدا عن حساباته، فقط أن يكتب بحرية وإخلاص، مكافأته الرواية نفسها وتقدير القارئ. واذا كانت هناك جائزة فيجب أن تأتيه زاحفة إليه.
لا ينبغي رهن رواياتنا لدول الجوائز، أن تعترف بها أو لا تعترف. فلندعها تشق طريقها في مناخ ثقافي متحرر من الجوائز.