لا يفتقد الوضع السوري إلى الحكايات المؤلمة، ولا مبالغة البتة إذا قلنا ملايين الحكايات، يفوق عددها تعداد الشعب السوري، إذ لكل سوري أكثر من مأساة، دون تمييز إلى أي طرف يميل. وإذا أحلنا ما يجري في سوريا إلى حكاية ما، فالخاتمة أمست بعيدة، بحيث لا يمكن تلمحها، وإن كان الأفق كما نأمل ليس مغلقاً تماماً، بل أزمة ما زالت مفتوحة على جميع الاحتمالات، لا تخلو من أسوأ السيناريوهات، أحدها الأكثر تشاؤماً، أنه لو استمرت على هذا المنوال، فلن تكون هناك سوريا في العام 2015، هذا إن لم يكن في العام القادم أو الحالي. أما أكثرها تفاؤلاً، فمغادرة أركان النظام سوريا.
بين التشاؤم والتفاؤل هنالك عشرة احتمالات على الأقل، تتراوح بين السيئ والأسوأ. غير أن الافتقاد إلى خاتمة سريعة لا يعني أنها مشكلة بلا حل. إلا أن ما يجعلها مستحيلة، هي الجرائم المرتكبة. تشير أصابع الاتهام تارة إلى النظام وتارة أخرى إلى المعارضة، في حين لا النظام ولا المعارضة، باتا يسيطران على قواتهما سيطرة كاملة. الأجهزة الأمنية وقوات الجيش يتصرفان بلا رقيب ولا حسيب، والمعارضة المسلحة اختُرقت بجماعات خارجة على القانون. وهذا لا يبرئهما، مع عدم المساواة بينهما، وإن كان كل منهما ينفيها. ما شكّل ألغازاً أتعبت المدافعين عنهما من المحللين السياسيين على الرغم من شهود العيان الصادقين، أو الكاذبين جهاراً وبوقاحة.
آخرها اللغز الذي وراء التفجير في ساحة المرجة وقبله ساحة السبع بحرات، وقصف جامعات حلب ودمشق، واستعمال السلاح الكيماوي، وتفجيرات أيام الجمع. عجزت أجهزة الأمن السورية الملهمة في مكافحة الإرهاب بالكشف عن الفاعلين، وإن لفقت متهمين، مع أن أجهزة مخابرات دولية، استعانت بهم مراراً في المساعدة على التحقيق معهم. وكانت عقب أي عملية إرهابية، تقبض خلال ساعات قليلة على دزينة من المشبوهين. بالتالي ما يقال عن الاستقرار والأمان، لم يأت من فراغ.
وإذا أزحنا النظر، إلى العقدة التي تحكم الأزمة السورية، يمكن القول: هناك أكثر من عقدة واحدة، وكل عقدة في منتهى التعقيد، فالعقدة الرئيسة التي هي إسقاط النظام، تعقدت بفعل تدخل أطراف عديدة، حتى أنه أصبح لهم وزن كبير في تقرير مصير السوريين، وأيضاً ما أفرزته تعديات النظام على الأهالي ما أدى إلى احتكاكات طائفية رشحها إلى حرب أهلية، استشرت إلى مجازر، ثم تراجعت إلى خطوط تماس، تنقلب من آن لآخر إلى خطوط نار. يتحاور فيها الفريقان من خلال الخطف المتبادل، والغارات المتبادلة.
عنف الجرائم ووحشيتها، والإصرار عليها والاستمرار فيها، وتوزيعها مصورة في فيديوهات، ليس اعتباطياً، بل مقصوداً بهدف جعل أي تفاوض، أو مصالحة، أو حتى تقارب، أمراً أشبه بالمعجزة، أي لا جدوى تجمع بين جماعات أصبحت متباغضة حتى الموت، فالنظام ورط الأقليات، بحيث ضاعت الأصوات العاقلة، أو أخمدت، أو باتت في خطر. وأخشى ما يخشى، وهو الأكثر احتمالاً، اقتراح يوفر الإفلات من المحاسبة لن يتم تمريره إلا بانفراط سوريا إلى دويلات، ما يؤمن الحل الأمثل للنجاة من العقاب.
هذا الوطن بذل فيه رجالات الاستقلال كل جهد ليبقى موحداً، أعقبه أجيال أضاعت عمرها هدراً بين ثورات وانقلابات وتخوين وسجون ومشانق، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والوحدة العربية وتحرير فلسطين، فلم يتحقق شيء منها. وها هي سوريا طوال عامين، قدمت للحرية مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، ضحايا القصف والقنص، والإعدامات الميدانية، والتعذيب، والاغتصاب، إضافة إلى التشرد في مخيمات اللجوء. كل هذا القتال المرير يجري بين أبناء الوطن الواحد، ما يفرض تساؤلاً أشد مرارة: ترى هل هو واحد؟
ما نجح آباء الجلاء في المحافظة عليه وصونه من العبث، سيُفرّط به أبناء رجالات الاستقلال.
-
المصدر :
- المدن