لم يتعاف النظام بعد، لكنه ماض في لملمة قواه، والتخفف مما يثقل عليه من الأعباء؛ آلاف العائلات والشبان يتخلص منهم بالتهجير، بعدما ضيّق عليهم وسائل ومصادر العيش. ولم يوفر ابتزازهم بعد دفعهم للهجرة. لو كانت لديه القدرة على إرسالهم بأسمال بالية وعلى محفات المرض إلى الحدود الأوروبية، لما تردد نكاية بهم، بعدما فقدوا جناية عمرهم. فالنظام ليس مسؤولا عن شعبه، إلا في استنزاف أموالهم، واستخدامهم سلاحا بشريا ضد أوروبا، يدفعون أرواحهم لقاء مدّ عمره.
هذا الشعب، كم سيتحمل إبان رحلة النظام الباحث عن الوسائل التي تقنع المجتمع الدولي بالاعتراف به، من دون التورع عن استخدام البشر رهينة طموحاته. مع فتح الأبواب لمطامع إيران، التي تنتهز الفرص كلها لتحقيق مطامعها ولو كان حرق سوريا. ولا تقل روسيا عن إيران في السعي إلى حل نزاعاتها مع أميركا وأوروبا على حساب السوريين المنكوبين.
تهرول بعض البلاد العربية إلى دمشق، تنشد التطبيع مع النظام السوري، في الوقت الذي تعج في مخيمات اللاجئين ملايين من الأطفال والمراهقين، مقيدين إلى حصار يذوقون فيه مرارة البؤس والإهمال، مع حرمان من أي تعليم أو تأهيل، لا يفكر آباؤهم بشيءٍ سوى البحث عن مخرج يوفر على أولادهم حياة الذل والفراغ والعدم.
يعرف العرب أن الكارثة السورية نتاج تشبث عائلة بالسلطة. السوريون شعب ممزق الأوصال ما بين الداخل والخارج، الذين في الخارج في منفى تتلاعب بهم قوانين الدول تهددهم بالترحيل، والذين في الداخل يساقون مع تلاحق الأزمات في طوابير للحصول على الغاز والخبز والوقود، وما يقيم أودهم، بينما يرفل مسؤولون وتجار الحرب وشبيحة العهد بالنعيم والرفاه.
عرفت المنطقة كثيرا من الأنظمة الجائرة التي تحكمت بشعوبها، لكنها لم تعرف نظاما وضع شعبه في سجن كبير، ريثما يرسلهم إلى سجون التعذيب والموت، هذا ما أتقن صناعته طوال ما يزيد عن نصف قرن.
من وقت لآخر، تتعالى الأصوات تطالب بالتطبيع مع النظام السوري، وهناك من يوحي بأن الدول العربية تسارع إلى عقد الصلات معه مع عربون مجز؛ الوعد باستثمارات ضخمة وفتح سفارات، فالدول العربية مدينة له، كان في قضائه على الثورة، تيئيس هذا الجيل والأجيال اللاحقة من تغيير الأوضاع الآسنة في بلدانهم، فالنظام أعطاهم كلمة السر، بوسعكم قتل شعوبكم ولن ينجدها العالم إلا ببيانات وتصريحات لا تزيد عن كلام، والمثال واقعي جدا، انظروا إلى الشعب السوري، لقد كسرنا كرامته ومرغناه بالوحل، لا همّ له إلا بالبحث عن لقمة طعام، ينتظر هباتنا من كهرباء وغاز بأثمان مضاعفة عشرات المرات، لا بأس بالمزيد من القهر، هذا الدرس ليس له فقط، إنه درس يحتذى، فلتتعلم منه الحكومات العربية.
لن يؤخذ الأسد بهذه التهويلات، لماذا؟ لأن إيران لا تعبأ بما يروجه العرب، المرشد خامنئي مرشد النظام أيضا، إيران أثبتت خلال الثورة والحرب أنها أفضل صديق للنظام، لم تبخل عليه بميليشيات لا عد لها ولا حصر، ومستشارين ضحوا بأرواحهم في سبيله
يفسر بعض قادة العالم العربي مساعيهم إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكأنه كمين يعدونه لها، وذلك بتوريط النظام بالقضايا العربية المجمع عليها، إن المصالح المستقبلية مشتركة، بذلك تستعيد سوريا ممارسة تأثيرها في سياسات المنطقة، ما يبعدها عن إيران وطموحاتها الإقليمية، خاصة أن التطبيع مع الإسرائيليين يوفر الحماية من المطامع الإيرانية، ويهيئ للالتحاق بأميركا من دون اعتراض الروس، لم يعد الفارق بينهم وبين الأميركان سوى خلافات تحل مع الزمن على موائد المفاوضات، العدو المستقبلي الصين، الاستعداد له قد بدأ. العالم على أبواب مرحلة جديدة، والعرب مدعوون للعب دور فيها.
لن يؤخذ الأسد بهذه التهويلات، لماذا؟ لأن إيران لا تعبأ بما يروجه العرب، المرشد خامنئي مرشد النظام أيضا، إيران أثبتت خلال الثورة والحرب أنها أفضل صديق للنظام، لم تبخل عليه بميليشيات لا عد لها ولا حصر، ومستشارين ضحوا بأرواحهم في سبيله، وبحزب الله الذي ترك إسرائيل وكرس آلته القتالية لسحق السوريين. كما تغلغلت إيران في النسيج المجتمعي السوري، فالتشييع قائم على قدم وساق، عدا القواعد العسكرية والخلايا السرية، فهل يدعها الأسد المنتصر، ويعود إلى جامعة مهزومة ومنقسمة على نفسها، لن تلتئم إلا بوجوده؟ حتى روسيا مهما قدمت له لا تعادل حماية إيران الجارة، الروس سيرحلون، بعدما حصلوا على الثمن، قواعد واستثمارات، روسيا لا تريد أكثر، أما إيران فباقية، تريد أكثر.
ما يطمئن النظام، أن أوروبا مشغولة باقتصادياتها التي تعاني في ظل الكورونا، كما أنها لا ترغب في التورط في الشرق الأوسط، سوريا لم تعد تحت طائلة اهتماماتها. الكلفة عالية، خاصة أن الأميركان الذين لا يرضون إلا بتغيير النظام سلوكه على أساس جنيف، مجرد تعلات، إذ لا استراتيجية لديهم، سوى عرقلة ما تقترحه روسيا للحل على أساس شيء مقابل شيء، ولا يتقدمون بخطوة نحو حل جدي، والهدف إحراج الروس الذين لم يدركوا بعد، وربما أدركوا أن سوريا قضية خاسرة، ما دام أنها واقعة في حبائل إيران، العلاقات السرية بينهما أقوى من العلنية، جرائمهم مشتركة.
لن يغير التطبيع مع الأسد من خياراته السياسية الداخلية والخارجية، وأيضا الاستراتيجية، إنها الاستراتيجية الإيرانية نفسها، دوره فيها بحكم التابع. المفروغ منه، إذا كان جزءا منها.
سيبقى في الحكم، ولن يرحل إلا برحيل الملالي. حاليا، التطبيع مؤجل، النظام لن يطبع إلا بشروطه.
هناك مثل يقول: الطبع غلب التطبع. حسنا لم يطرأ عليه تغيير: طبائع الاستبداد تغلب مساعي التطبيع.
-
المصدر :
- تلفزيون سوريا