تشهد المنطقة العربية انتخابات متنوعة وبالجملة، فمن الجزائر إلى ليبيا والعراق ومصر وسورية، ما يجعل مراقباً بعيداً وغير مطلع، يعتقد أن عرساً ديمقراطياً مزدهراً تزهو به بلداننا العربية، وأن الشعوب ظفرت أخيراً بما ناضلت من أجله طويلاً. المراقب المتفاءل، بشرط ألا يكون عربياً، سوف يجد فيها خطوة جادة على طريق طويل، أي أن السلطات لم تعد تفكر بالديمقراطية، أو تلوح بها فقط، بل اتخذت اجراءات جادة، تجلت بصناديق الانتخاب، وسواء كانت زائفة أو غير زائفة، حقيقية أو غير حقيقية، إنما كأسلوب حضاري، لم يعد بالوسع تجنبها، ولو شكلياً.
لا عجب في هذا الاندفاع نحو الديمقراطية، فالجزائر، بلد المليون شهيد، لم يعقد ابناؤها العزم على أن تحيا الجزائر، إلا على أمل أن تنعم بالحرية، والديمقراطية تحصيل حاصل. كذلك العراق التي تخلصت من دكتاتورية صدام حسين، ورفعت لواء الديمقراطية، وسعت إليها ولو جاءتها على ظهور الدبابات الأمريكية، ووضع عملاء الامبريالية اجراءات انتخابات تعزز الاسئثار بالسلطة، وتفرز السيارات المفخخة والانتحاريين. بينما ليبيا، التي لم تنج من وساوس القذافي وابتكاراته الثورية، لا يعجبها حكم، ولا حكومة، سارعت المليشيات المسلحة إلى انتهاج ديمقراطيتها الخاصة والتعجيل بها بالقنابل والاغتيالات. أما مصر، فقصة طويلة ومؤلمة، فهي قبلة آمال العرب في سعيها إلى انموذج ديمقراطي منارة للمنطقة، فهي السباقة إلى العدالة الاجتماعية والثورة والوحدة، وخاضت معركة طويلة مع الرئيسين السادات ومبارك، إلى ان انتصر النشطاء الشبان في ثورة أذهلت العالم، لكن كان لابد لمصر أن تذهله مرة أخرى بضياعها، في لعبة أشبه بألعاب الحواة، فكان الحنين إلى ديمقراطية العسكر، حطت فوق أرض النيل على أجنحة انقلاب، آزره المثقفون اليساريون والفنانون الدراميون. أما سورية التي لم يُحسب حسابا لديمقراطيتها وانتخاباتها، فلم يتوان النظام على الرغم من حرب دامت حتى الآن ما يزيد عن سنوات ثلاث، وحصدت نحو مائتي الف شهيد ونزوح الملايين وخراب البلد ، عن الاعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية، بموجب مبدأ لا تنازل عنه؛ ألا يعوق الديمقراطية عائق مهما كان الخطب جللاً، رغم أن الحكم في سورية وراثي، وما كان اعلان الملكية إلا مسألة وقت، الجمهورية لفظت انفاسها في مجلس الشعب قبل أربعة عشرة عاماً، وبمباركة من ممثلي الشعب.
ما السر في الديمقراطية، ما الجاذبية التي تدفع الانظمة العربية نفسها، والمتضررة منها إلى السعي لتكريس شعائرها؟ الانتخابات ستشكل للمراقب المطلع أحجية، يحار في تفسيرها، فهي تفضح أكثر مما تستر، لاسيما وأن سلسلة العمليات المفترض أن تؤدي إلى الديمقراطية، تذهب إلى عكسها، وفي أفضل الأحوال، بقاء الحال على حاله. ما يطرح أسئلة، ما حاجة الأنظمة إلى هذه اللعبة المكلفة مادياً، صناديق ومراقبين وأوراق، ودعايات وادعاءات، وعطلة يوم كامل وربما أكثر، ولجان لفرز الأصوات، ثم اعلان نتائج لن يصدقها احد، ومحسومة سلفاً؟ هل الاغراء يتبدى في مظاهر العملية الديمقراطية، ومواكب مؤيدي المرشحين، وهتافات ترافقها الأعيرة النارية تشق عنان السماء، يرافقها التزمير والتطبيل، والتقاط التلفزيون صوراً لصفوف الناخبين الطويلة، وأحياناً ركوبهم مخاطرة الانتخابات المميتة في زمن التفجيرات الانتحارية.
بالعودة إلى المراقبين، المنصفين منهم، سوف يجدون في بلداننا تنويعاً على الديمقراطية، كما حدث في زمن سابق، بما يدعى الطريق العربي إلى الاشتراكية، الآن الطرائق العربية إلى الديمقراطية، إذ لكل بلد خصوصيته. أما المراقبون المنصفون جداً، الموالون للأنظمة، ولعلمانية أفرطت في كراهيتها للاسلام، فلن يفوتهم أن الديمقراطية لا تليق بشعوب ستتنكر لها، شعوب متخلفة، جاهلة تنحو إلى الجاهلية.
التصورالواقعي، هذه الانتخابات، حسب الأنظمة، صورية، والديمقراطية مظاهر لا أكثر، درس تعلمته من الواقع العربي، إذ هي مسألة حظ، إن لم توفر السعادة للشعب، لن تحرمه من التعاسة.
-
المصدر :
- المدن