لا عجلة على إيجاد حلول جدية للأزمة السورية، سواء الأطراف الذين أمسكوا بمقاديرها، أو النظام، كذلك المعارضة السياسية والمسلحة. المدنيون السوريون هم المتضررون الوحيدون من الحرب ومعها اجتماعات وتصريحات الدول التي زجت بنفسها في هذا الصراع، وأخذت تتحكم فيه. أصبح ملكاً لهم، وحصصهم فيه محفوظة. النظام يناور ليرد عن مواقعه هجمات المعارضين المسلحين المتنوعة والمختلفة على الدوام، بحيث أصبح تنوعهم مادة للتقاتل فيما بينهم. اختفى السوريون الضحايا من لوحة الصراع حتى كأرقام. النظام لديه مخزون من البشر يلملمهم من الحواجز والقرى ويزجهم عنوة في قتال يجدي باختراقات طفيفة، لا انتصار ساحق، بحيث يبدو مستعداً للبحث في مصيره، ريثما يقرر الآخرون عنه بقاءه أو عدم بقائه.
ما دام هناك كثر يستفيدون من الأزمة السورية، فالاستثمار الناجح لا يتم من دون اطالتها، بوضع العراقيل. إرادة التحرك من جانب طرف، تساعد في مسارعة الأطراف الأخرى إلى التأكيد على وجودهم وأدوارهم. الوسيط الدولي دي ميستورا حرك مؤخراً الأزمة، ما طرحه ما زال في بداياته؛ وقف إطلاق النار وتجميد الحرب كخطوة في عملية سياسية تطول سنتين تحت رقابات وضمانات دولية. ما يدعو للتساؤل، أن اعتمادها على المصالحات والإدارات المحلية، في حال نجحت ستخلق وقائع جديدة على الأرض، تحيل سورية إلى دولة لا مركزية، ما يجعل العودة عنها مستحيلاً، وأيضاً تغييب المرحلة الانتقالية، هل هذا هو الهدف منها؟
المعارضة رفضت المبادرة لعدم احتوائها على شرط مسبق يتضمن رحيل الأسد. أمريكا شككت بأفكار دي ميستورا، حددت دعمها بوقف إطلاق النار لتسهيل عمليات الإغاثة الفعلية للمدنيين، من دون ترتيب اتفاقات مستدامة، تؤدي إلى متغيرات. عدا هذا الكلام، ما الذي لدى أمريكا أيضاً؟ لا جديد، أي لا بديل عن الحل السياسي، مستعيدة نغمتها المترددة بين تسريع تدريب المعارضة المعتدلة، أو تسليحها، أو دراسة إقامة معسكرات تدريبية يشرف عليها البنتاغون، لتجهيز المقاتلين في الربيع المقبل، وغيرها من التصريحات المتناقضة، لم يعد أحد يأخذ بها، تعتبر من ضمن الثرثرة التي لا تتوقف، تسهم فيها الإدارات الأمريكية المختلفة عن إمكانات للحل على الأغلب غير واردة، فالأمريكان ما زالوا يشترون الوقت، حتى الآن لم يقرروا شيئاً واضحاً يلتزمون به بخصوص الأزمة السورية.
هذا التطور غير الملموس لدي ميستورا، دفع الروس أيضاً الى التحرك بمبادرة نحو شخصيات مختارة من المعارضة تسعى جاهدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عسى ان يكونوا أنهكوا فيرضوا بالقليل، ما يسهل مهمة الروس. التفاوض بحد ذاته حسب رأيهم، خطوة فيها تنازل كبير. الإيرانيون أيضاً لديهم أفكار مختلفة قليلاً عما سبق، لم يكشفوا عنها، وإن لوحوا بها سراً، بانتظار مآل الملف النووي، الوضع السوري ورقة في مفاوضاتهم مع الأمريكان، وإن لم تكن فوق الطاولة، لكنها موجودة. الأتراك لم يتزحزحوا عن موقفهم، لن يقاتلوا “داعش” إلا ضمن شروطهم؛ منطقة حظر طيران واسقاط النظام. المصريون لديهم مبادرة لم يكشف عنها، وتعول عليها السعودية. الفرنسيون والانجليز لم يتوقفوا عن إطلاق التصريحات، إشعاراً بأنهم على الساحة، بينما الساحة تتعرض يومياً للقصف والبراميل المتفجرة، وتحصد عائلات بكاملها… وعلى طول سورية وعرضها تسرح ميليشيات طائفية واجرامية تنهب البيوت وتسفك الدماء.
هذا لا يعدو غير فاصل عابر من الأزمة السورية، إذ أن الساحة الفعلية تحتلها “داعش” والتحالف يخوض غمار الحرب منذ شهرين في بقعة صغيرة تدعى “عين العرب” و”كوباني” ضمن منطقة شاسعة أصبحت أرض الخلافة. التحالف لم يتقدم ولم يتراجع، طبعاً لم يحقق انتصارات جزئية ملموسة، إلا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية صُممت على احتواء “داعش” وعدم السماح لها بالتمدد.
الفاصل السابق كان مبشراً، وإن لم يكن بالخير. الإيجابي فيه أن الأزمة السورية استعادت وجودها بعد أن كادت تصبح شيئاً من الماضي. العقدة السورية حركت استراتيجية أوباما الضحلة والمضيعة للوقت. الروس ارتدوا إليها، ربما مع تعديلات بسيطة، لا تستحق الذكر، الثقة معدومة بالروس. الايرانيون لم يعودوا مندفعين، يكفي أنهم يتريثون.
بالنسبة للسوريين الذين بالغوا بآمالهم في بداية المظاهرات، ثم أصابهم التعقل باليأس، المستحسن ألا يبالغوا أيضاً بالتشاؤم، مع أن كل شيء يدعو إليه… الحيرة أفضل، والانتظار من جديد… ها قد عدنا إلى لعبة الانتظار.
حالياً لا بديل، رغم أن حقائق الواقع أشد قسوة من أن تتجاهل.
-
المصدر :
- المدن