قبل أيام، دار حوارعلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي خاص بقرّاء الرواية، كتب أحدهم أنه لم يستطع إكمال قراءة رواية “مائة عام من العزلة” للروائي غارسيا ماركيز. المستغرب ذلك التوافق الذي تبعه من المتحاورين؛ كان لدى كل منهم انتقاد على الرواية، وأجمعوا على أنها مرهقة، معقدة وغير مفهومة. بينما وجدها جيلنا والجيل اللاحق رواية عظيمة، ممتعة ورائعة، تمثل أنموذج الرواية المحلّقة في الخيال والواقع معاً.

طبعا، المتحاورون كانوا من الشبان، أي من القراء الجدد الذين يشقّون طريقهم في الأدب، ويعبرون عن آرائهم دونما تحرز، يستمتعون بالإدلاء بأصواتهم في الشبكة العنكبوتية، فلا محاذير ولا ضوابط أدبية؛ يعترضون وينتقدون ويسفّهون ويسخرون… ممن اتفقت أجيال قبلهم على اعتبارهم من الرواد الكبار للحداثة الروائية في العالم.

ما يحيلنا الى التساؤل، ترى ما الذي يحوز على اهتمام القراء الشبّان من الرواية المترجمة؟ العناوين المطروحة بكثرة يمكن الاطلاع عليها من حركة النشر وأغلبها لروائيين باتوا معروفين للقراء: هاروكي موراكامي، تشارلز بوكوفسكي، أليف شافاك، نتالي نوتومب، دافيد فونكينوس، باتريك موديانو… يمكن استبعاد موديانو لأن الاهتمام به نشأ مع جائزة نوبل، وحسب الاعتقاد لن يطول.

الآخرون أصبحت أعمالهم تترجم عقب صدورها في لغتها الأصلية، ويبدو أنها ستواكب كل كتاب جديد. يسترعي النظر بوكوفسكي الذي مات قبل سنوات، ترجمت له خمسة اعمال خلال فترة وجيزة، وسيبحث المترجمون عن كتبه الأخرى. أصبح له قراء كثر من جميع الأعمار، وهو نسخة متواضعة عن هنري ميلر، مشذّبة من استطراداته الفلسفية، وإسباغ عدم الجدية على موضوعاته، وتطعيمها بالطرافة والمرح والحورات الذكية، وإن كان المرح أحياناً لا يزيد عن تهريج، يمنح الرواية نكهة ممتعة، مع الحذاقة في تكريس الجنس كعلاقة وحيدة، شريرة ولذيذة بين الرجل والمرأة. هل هذا هو الأدب العابر؟

إذا اقتصر الأدب على الخفة، فمع مرور الوقت سيصبح تيار “الواقعية السحرية” مستهدفاً، لا سيما وهو يتعرض منذ فترة للنقد حتى في أميركا اللاتينية، في استعادة لصراع الأجيال. لكن إذا صادف ماركيز الحظ، فلا يستبعد ترشيحه لنادي الروائيين المكرسين عالمياً، ليلتحق بالأدب الذي لا يقرأ، مثل جويس في روايته “عوليس” وبروست في “البحث عن الزمن المفقود” وغيرها من روايات، تُقرأ بشكل محدود جداً. هذا ما يعترف به الكثير من النقاد والروائيين الذين أجهدوا أنفسهم، ولم يستطيعوا إكمال “عوليس” مثلاً .. فالصعوبات التي يواجهونها لا ريب فيها، وقد أدت محاولات تذليلها من قبل النقاد إلى تراكم دليل ومعاجم وملاحق ودراسات، تفوق حجم الرواية عشرات المرات، تتزايد سنوياُ لتساعد على فهمها والاستمتاع بها.

هل هذا ما يدعى بمكر الرواية؟ أن يمثلها ما لا يُقرأ، رغم كونها من المفاصل الفارقة في تاريخ الأدب، والمثير أنه على هديها تخطّ الرواية طرائقها الصعبة، مهما تاهت عنها.