ليس في أخذ الصحافيين محلّ النقاد كارثة، وإن وضَع الأدب في مأزق، كانت حصيلته على مدار السنوات الماضية، افتقاد الثقة في الصفحات الثقافية، بزعم فقدان التخصّص. فالصحافة تتعدّى على الأدب، ويعزى ذلك إلى غياب النقاد. هذا الوضع ما زال سائداً، أضيفت إليه المواقع الإلكترونية المتنافسة على الدعاية والتسويق، ما زج بالثقافة في سباق المتاجرة بالأدب.

هناك من يرى في هذا التطوّر جانباً إيجابياً وهو ظهور الصحافي المثقف، الذي استطاع بنشاطه ومعارفه احتلال الشواغر، فكتب في السياسة والأدب والسينما والمسرح والرياضة… فـ غوغل ذلك الراعي الكريم يزوّده بالمعلومات، بما يفي بحاجته ويزيد. فاقتصر عمله على القص واللصق، مع بعض التنسيق والتشذيب.

يتعامل الصحافي الشاطر مع الإنتاج الأدبي على أنه تكريس لمديح أعمال تخصّ أدباء معروفين، أو ولجوا حديثاً تربطه معهم علاقات صداقة أو معرفة. وأيضاً، الترويج للأدب المترجم، والاعتناء به، فهو موثوق لهبوطه من حضارة موثوقة، فيمتدحه بلا حدود، مع الإعجاب المبالغ به لافتاً فضول القراء.

” ليس غريباً إحساس الصحافي المثقف بالضآلة أمام العمل المترجم”

المستغرب، ما يبديه من مهارة في اكتشاف مواطن القوة والتجديد والبراعة والعبقرية في رواية مترجمة مثلاً، يعبر عنه باستعمال كلمات التفضيل: أعظم، أفضل، أشهر، أجمل… ويجد في أي شاردة، مجالاً للتفسيرات المثيرة، تضاف إلى حساب الرواية. فإدهاش القارئ من طبائع صحافة تعتمد العناوين الفاقعة.

ليس غريباً إحساس الصحافي المثقف بالضآلة أمام العمل المترجم، لكن ذهوله إزاء إعجازه محيّر، أغلب الترجمات تشكو من ضعف الترجمة، إضافة إلى صياغتها بلغة عربية تعاني من الخلل، تنقصها الدقة، ما يصدم القارئ المطلع كأن ما يقرأه عن كتاب آخر.

أما عن تجريب قدراته الفائقة مع الرواية العربية، وهي الأقرب إليه، فالعجيب ألا يستطيع سبر سطحها ولا غورها. لماذا؟ الرواية العربية الجديدة تفتقد إلى مرجع يسير على هديه، فلا بوصلة ولا اتجاه. لذلك يستحسن انتقادها أو إهمالها. وإذا كانت رواية معروفة، يمكنه كتابة مراجعة عنها من دون قراءتها، فما كُتب عنها كفيل بها، فيخلط عدّة مقالات، وينتقي منها بعض الأحكام النقدية، ولو كانت متناقضة، تلك براعة، ولو كان التقييم جائراً أو عادلاً. يبرره “أكل العيش” كنوع من الاسترزاق الحلال، ولا بأس لو تضرّر الأديب.

تفسير براعته في تحليل الرواية الغربية، يكمن في الشطارة نفسها، بتقصّي ما كتب عنها في الصحافة الغربية، خاصة إذا كان مضى على نشرها عدة سنوات، وذلك بإلهام من الشبكة العنكبوتية، فشكراً لصديقنا غوغل.

للأسف، لن نعثر في جرائد العالم العربي على ناقد أدبي، يكتب بشكل منتظم مقالاً أسبوعياً في نقد الرواية، أغلب أساتذة الأدب مغرمون بالتنظير، لذلك يكتبون عن عالم يعجّ بأدب دونما تعيين، بينما الضرورة تملي عليهم تقييم ما يكتب حالياً، فالرواية تشهد ازدهاراً عجيباً، سواء كان حقيقياً أو زائفاً، يستدعي معرفة ما هذا الذي يُكتب؟