عمليات دحر الدولة الإسلامية عن العراق وسورية بدأت، طيران التحالف يقصف في البلدين مواقع “داعش”، بينما على الأرض يجري التصدي لها بالقوات المتوفرة من الجيش العراقي والأكراد، وفي سورية من قبل قوات النظام والمعارضة من دون إحداث متغيرات ملموسة على الأرض، فالاشتباكات ما زالت متواضعة، إن لم نقل هزيلة، بالأحرى لم تبدأ حتى في الحد الأدنى المرجو منها، بينما قوات “داعش” تتقدم بثبات على الأرض في طريقها الى احتلال عين العرب، أصبحت على مشارفها، توقعات المراقبين السيطرة عليها، وليس بالأمر السهل، الدفاع عنها مستميت، والجيش التركي على مقربة. هل يفعل شيئاً؟

ما بين صعود “داعش” والزمن القادم لانحسارها، جرى وسيجري الكثير. منذ ظهورها على خريطة الأحداث، وخلال صعودها، لا ينكر أحد أن الأطراف الذين استغلوا إبانها الحدث الداعشي، على أحسن وجه، قد كان على أسوا وجه بالنسبة لخصومهم. بالدرجة الأولى، النظام السوري الذي يصف نفسه بالعدو الأكبر للمنظمات الإرهابية. سابقاً لم يبخل بخدماته بمقابل وبلا مقابل قدمها للمخابرات الغربية. هذا النظام الذي تعيش على تطويع الإرهاب لاغراضه، ترك الدولة الاسلامية حديثة الظهور، تمارس ارهابها في الشمال ضد كتائب المعارضة المسلحة، ففخخت، وفجرت، وخطفت، وأعدمت، وقتلت، وقطعت الأيادي والرؤوس… واستولت على النفط. ما قامت به لا يشك في أنه الإرهاب بعينه. النظام لم يحرك ساكناً، كانت تخدم مصالحه، حتى أن بعض المحللين اعتقدوا أن هناك تنسيقاً بينهما. بالمقابل، عندما هاجمت “داعش” مطار الطبقة، واللواء 93، لم توفر فظاعة لم ترتكبها، المعارضة لم تحرك ساكناً، بصرف النظر إن كانت تستطيع أو لا تستطيع، جنود النظام، جنود سوريون، تركتهم لأقدارهم المميتة، سحق قوات النظام يخدمها، مع أنها عانت من إرهاب “داعش”.

هكذا هي الحرب لا ترحم، وهي في سورية، لم تتخلف عن وصفها هذا، سوى في تنويعاتها المحلية الطائفية الأشد مضاء، وهي خصيصة ببلاد الشام، تخفى وراءها صراع المصالح القذرة. قدمت أبشع مثال على الاخوة السوريين كيف بلغت بهم العداوة، ألا تتقاطع مصالحهم مؤقتا ضد عدو واحد، السبب معروف، الثقة معدومة بينهما، فبينما كانت “داعش” تقتل الناشطين السلميين، كان طيران النظام يلقي على الناشطين أنفسهم البراميل المتفجرة.

إذا أردنا أن نقلب صفحة مؤلمة، فصفحات مؤلمة أخرى بانتظارنا، فنحن موعودون بحرب طويلة الأمد، حسب محللين ومسؤولين دوليين، حرب تمتد إلى سنوات، وربما عقود. فجميع الأطراف لديهم أجندات وحسابات ومآرب، سيسعون إلى تصفيتها، لاسيما وان التكاليف الباهظة ستدفعها سورية والعراق، فالحرب واعدة بالتخلص من الإرهابيين، ومعهم الخلايا النائمة في العالم، والتي ستصحو وتنطلق إلى سورية أرض الجهاد المقدس.

إطالة الحرب ليس للقضاء على “داعش” بشكلها الحالي فقط، وبأشباهها، بل وبالأجيال التالية، هناك اليوم أطفال في العاشرة من أعمارهم في المخيمات، ينبغي قتلهم بعد ستة او سبع سنوات، إن لم يكن أقل، فهم سيحملون السلاح. استراتيجية مكافحة الإرهاب بعيدة المدى والنظر معاً. لذلك لا يستغرب أن دولاً من أقاصي الأرض ستنضم إلى التحالف، وإن لم يكن لديها مصالح آنية، فمصالحها المستقبلية تملي عليها المشاركة في قتال دولة الإسلام العظمى، ربما هددتها في العقود القادمة، عدا أن الإسلام نفسه لا يروق لها.

يضم تنظيم “داعش” عدة آلاف من المقاتلين، مهما تضاعفت أعدادهم، لا يبلغون تعداد جيش عربي واحد، لذلك يساهم الاعلام في تضخيم حجمهم، حتى تبدو الحرب الجارية والقادمة معقولة من حيث الجهد والتوازن، فالأمريكان الذين استدرجوا إلى الحرب، وأصبحوا وسطها، لا يكفون عن طلب المساندة. ما يشير إلى أن الأجندة الأمريكية، باتت تتجاوز قصة الارهاب إلى ترتيب المنطقة على نحو يضمن أمن إسرائيل من ارهاب العرب، الأمان الاسرائيلي سيشمل ليس المنطقة فقط، بل أبعد بكثير. وبالتالي نستطيع أن نفهم لماذا هذه الحرب مطاطة، فطولها أو قصرها متعلق بما يتحقق من الاستراتيجية الأمريكية. صحيح انها بدأت، لكن لا أحد يعرف متى ستنتهي، إذ أنها لم تتبلور بعد، لكي توضع نهاياتها في مجال التخمين.

المستغرب أن لدى الجميع أجنداتهم، أو ما يريدونه من هذه الحرب، عدا النظام والمعارضة، فالنظام ترك نفسه أسيراً لإيران وروسيا، لا يريد شيئاً سوى البقاء بأية وسيلة، ولو كان في عدم رحيله القضاء على الشعب السوري كله بالموت السريع أو البطيء. أما المعارضة، فأسيرة الأمريكان، هي أيضاً تريد البقاء بأي ثمن، لن تتوحد، ولو كانت خلافاتها المزمنة، ستؤدي إلى القضاء على الشعب السوري برمته.

كلاهما يراهن على المجهول، الجانب الواضح منه والجلي هو الدمار.