دار في الأسبوع الماضي جدل بعد مطالبة النظام برفع العقوبات، لتسهيل عمليات دعم المنكوبين وعمليات الإنفاذ، الناجمة عن كارثة الزلزال. لم تكن سلسلة العقوبات الدولية التي بدأت عقب حدث ٢٠١١ إلا للحد من قدرة النظام على تمويل الجيش العقائدي ورديفه من ميليشيات الشبيحة، المتورطين في قمع المظاهرات بالقناصة والأسلحة الثقيلة، ولم يقصروا بالمجازر. وإذا كانت روسيا وإيران دعموا النظام، فقد كان تركيزهم أيضاً على عدم تحميله المسؤولية عن التدهور الاقتصادي المطرد، وذلك بإحالتها إلى تأثير العقوبات، وبحسب تعبيرهم، كانت العامل الوحيد في سوء أحوال السوريين المعاشية.
ليس صحيحا أن العقوبات لم تحرز تأثيرا على البلد والناس، فقد أدت إلى الانهيار المتواصل لليرة السورية، ولعبت دورا في التراجع الحثيث عن الإنفاق الحكومي إلى حد توقفه، لكن المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة لم تتوقف في مناطق النظام، الذي احتكر توزيعها، وكان انتقائياً ومجحفاً، ومنع وصولها إلى المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة، مع ملاحظة عمليات فساد موثقة داخل عمليات شراء المواد المطلوبة.
في أزمة كارثة الزلزال، كان الانطباع الغالب، لدى معظم السوريين في مناطق النظام، عدم الثقة بالمسؤولين عن توزيع المساعدات، كانت مناصبهم تخولهم سرقتها، فتقتطع منها القسم الأكبر ليباع في الأسواق، هذا بعد اقتطاع النظام القسم الأعظم منها، ما عرّض المساعدات لسلسلة متواصلة من النهب.
أظهر السوريون في الداخل والخارج تعاضدا وتماسكا، وقدرا من التضحية والإنسانية يفوق التصور والأمثلة كثيرة
في كارثة الزلزال، نشط الأفراد ودعوا إلى تنظيم مبادرات أهلية تعمل على جمع المعونات وتوزيعها. وكان في تدفق المساعدات بكميات كبيرة، ما يعِدُ بحصول المتضررين على قدر منها يكفل مساعدتهم على العيش، لكن إلى متى، في حال الأزمة المعيشية أصلا كانت لا تحتمل؟
أظهر السوريون في الداخل والخارج تعاضدا وتماسكا، وقدرا من التضحية والإنسانية يفوق التصور والأمثلة كثيرة، فالمتطوعون في عمليات الإنقاذ، يعملون في اليوم أكثر من ١٢ ساعة، لا يتوقفون إلا ليأخذوا سويعات من الراحة، أو ليشربوا الماء، ويأكلوا ما يسد الرمق، لكن غالبا ليمسحوا دموعهم. عادت الكارثة تجمع بين أغلبية السوريين، على الضد من العصابة الحاكمة التي خشيت من سعي الناس إلى ما يوحدهم.
على مدار الأيام الأولى للكارثة، كانت الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي في تصاعد من يوم إلى يوم، مع التشكيك بأهلية النظام، تأكدت لدى زيارة الرئيس إلى حلب والتقاط صور تذكارية مع ركام ما خلفه الزلزال من خراب، وكانت جولة للتشفي بالمنكوبين، أشفعها بالضحك وتوزيع الابتسامات، وتصفيق رجال المخابرات حوله.
ما أوصل الناس إلى اليقين في عدم الثقة بالنظام، أنه في حال رفعت العقوبات ألا ترتد عليهم إلا بالعنف، فالمنكوبون كانوا من ضحاياه، كيف يمد يده لأناس حاول إبادتهم بمختلف أنواع الأسلحة حتى بالكيماوي؟ أما الذين في الداخل فبالتضييق على وسائل عيشهم. كان هذا انطباع جهات دولية، فلم يكن هناك تأييد لرفع العقوبات.
بيد أن نهاية هذا الجدل الذي لم يكتمل، كان في الإعلان المفاجئ لمدير منظمة الصحة العالمية عن أن الأسد، أبدى استعداداً للنظر في فتح مزيد من المعابر الحدودية لإيصال المساعدة إلى ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة. كان هذا الإعلان تحت ضغط الأميركان وكثير من الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل اتخاذ قرار يسمح بفتح مزيد من المعابر على الحدود التركية – السورية، لإيصال قوافل المعونات الملحة لملايين السوريين المنكوبين. كان الضغط الروسي قد أفلح في إجبار الاسد على السماح بفتح المعابر، ولم يكن من أجل السوريين ولا لدوافع إنسانية، بل لئلا تتعرض روسيا إلى انتقادات دولية، في حال مانعت القرار في مجلس الأمن.
لم يتأخر النظام عن استغلال فتح المعابر في الاستفادة من الأزمة لكسر حالة العزلة، وبلغ به التبجح حد مطالبة الأمم المتحدة بإعادة إعمار ما دمرته براميله المتفجرة وصواريخه من دون محاسبة.
في بلدة جيندريس المدمرة تماما، تم انتشال 850 جثة على الأقل خلال يومين، ومازال المئات في عداد المفقودين
لا يمكن تصور حجم الكارثة، طالما في كل يوم ينكشف قدر كبير من الدمار والضحايا، المواقع المتضررة كانت أكثر من أن تحصى، فغازي عنتاب التي احتوت على أكبر نسبة من السوريين غدت مدينة أشباح، آلاف البنايات مدمرة، ومن دون كهرباء، الباقون من سكانها، ينامون رغم البرد الشديد، في السيارات والمدارس والحدائق. في بلدة جيندريس المدمرة تماما، تم انتشال 850 جثة على الأقل خلال يومين، وما زال المئات في عداد المفقودين، وهناك تحت الركام من يمكن إنقاذه. وليس حال غيرهما من المدن التركية والسورية بأفضل، وربما كان أسوأ.
بعد أكثر من أسبوع، وعلى الرغم من الاستمرار بإنقاذ ناجين، تجاوزت حصيلة القتلى 37 ألفاً حتى كتابة هذا المقال، فالرقم مرشح للزيادة. كما أن أكثر من 5 ملايين تشرّدوا في سوريا، “وهو رقم ضخم لدى شعب يعاني أساساً من نزوح جماعي” بحسب تصريح ممثلة مفوضية الأمم المتحدة للاجئين خلال مؤتمر صحفي عقد في جنيف.
يصعب مقارنة وضع اللاجئين السوريين، فالنظام ما زال يطاردهم حتى في محنتهم، ولا يتورع إذا سنحت له الفرصة على الانقضاض عليهم، ولم يخف ارتياحه من الزلزال المدمر الذي وفر عليه وعلى شركائه الروسي والإيراني، قتل السوريين بالآلاف وتشريد خمسة ملايين. هذا عدا ما عاناه السوريون في تركيا من ضغوط بسبب موجة العداء ضدهم، والتعهد بترحيلهم طوعيا إلى بلادهم، بينما يجري ترحيلهم بالقوة. أما السوريون الذين نجحوا في عبور الحدود، بحسب مراقبين، فهم الذين أعيدوا إلى عائلاتهم جثثا هامدة.
-
المصدر :
- تلفزيون سوريا