هل يوجد في سوريا حالة إرهابية، أم أنها ادعاء من اختراع الدول؟ لا شك أن ما يجري في سورية إرهاب حقيقي متعدد المصادر، يلعب النظام دور الإرهابي الأكبر في الحرب الطويلة التي خاضها ضد شعبه، يضاف إليه الإرهابيون الأربعة من دول الاحتلال، كل منهم قام بدور في الحالة الإرهابية التي تعيشها سوريا، وإن كان الاهتمام سينصب على الفصائل المتأسلمة، على رأسها “داعش” و”النصرة”، وجرى التركيز على “داعش” بالذات التي مارسته بوحشية مفرطة وبذرائع دينية.

هذا الإرهاب بأنواعه المحلية والدولية والمتأسلمة، دفع السوريون جميعاً أثمانه الباهظة طوال عشر سنوات، ما زال وما زالوا، تداعياته المروعة لم تنته، كان من نتائجها أن سوريا أصبحت أوراق تفاوض، ومناطق محتلة تخضع للمساومات تسديداً لتكاليف الاحتلال، تُدفع مقابل نهب ثرواتها، بينما النظام عاجز ومهلهل، يمنع أي تغيير، إذا كان فيه تفاهم مع شعبه، طالما يعتقد أن فيه سقوطه.

لم تنج أغلب البلدان العربية من الإرهاب، إلا بعدما تحصنت من الربيع العربي، حتى الدول التي اخترقتها الانتفاضات، ردها العسكر إلى الحظيرة، وعادت الأوضاع فيها أسوأ مما كانت عليه. فالهدف كان السيطرة على الحراك الشعبي، خشية أن تستولي أصوليات متطرفة على الثورات. فالجهاديون خصوم للحكومات العربية بأنواعها، مثلما أن الحكومات عدوة للجهاديين، ولكل من يطالب بالإصلاح.

احتاطت الأنظمة وطوقت الاحتجاجات في المنطقة، وعطلت مفاعيلها بمحاولات إبقائها تحت سيطرتها، وضمن حدود الدول التي انطلقت منها. بالنسبة إلى سوريا، شاركت الدول الإقليمية في الحرب من خلال الفصائل التي مولتها، كانت التقديرات، أنه في حال انتصر الإسلاميون أو المعارضة يصبح لها حصة في النظام الجديد.

بينما اعتبر الغرب الحرب السورية فرصة للتخلص من الجهاديين على أراضيه، فلم تمنع المشبوهين لديها من السفر إلى سوريا على أمل تنظيف بلدانها منهم، فالأزمة السورية منحت ساحات قتال للقضاء عليهم، وكلما طالت الحرب كانت الفرصة لتصفيتهم مضمونة أكثر.

ربما لنتفهم القصة السورية، تخيل الحرب ضد النظام، تقاد بالريموت كونترول من الدول الإقليمية، بموجب تفويض وتعليمات تنهال عليها من أمريكا وأوروبا. وفي الجانب المقابل، شاركت روسيا وإيران بالحرب مع النظام، كانوا أكثر جدية على الأرض، وفي مجلس الأمن. ولم يكن استمرار الحرب، إلا بتواطؤ الجميع، متذرعين بالإرهاب، والهدف إلغاء قصة الثورة وفكرة الإطاحة بالدكتاتورية.

نشأ هذا المشهد من حالة الهلع من الإرهاب التي استثمرتها أنظمة المنطقة لضبط شعوبها، مع أن الإرهابيين كانوا ملاحقين على الدوام، وقُضي عليهم أكثر من مرة، وجرى التحفظ على المعتقلين منهم في السجون، كانوا فائضاً أودع في خزان الأزمات. وهكذا لم تعد معجزة استعادة الإرهاب عافيته في البلدان التي ينبغي ألا تمسها الديمقراطية.

أدرك الأمريكان بشكل عملي فوائد ما يدعى بالإرهاب، كان التعويل عليه في استخدامه بتدمير البلدان المناهضة لسياساتهم مثل العراق وسوريا، باستغلال نقطة الضعف في البلدين؛ الطائفية والفساد والدكتاتورية. أما الروس، فشكل الإرهاب بالنسبة إليهم معبراً لادعاء إنقاذ هذه البلدان من الضغوط الأمريكية، وهكذا جاؤوا ليبقوا.

لم يكن الإرهاب يندلع وفقاً لأجنداته فقط، وإنما بقدر حاجة الأمريكان والروس إليه، خاصة الغرب الذي بات مهدداً من الإرهابيين المتأسلمين، ولم تكن أصابع الأنظمة غائبة عن تنظيماتهم السرية، بدعوى اختراقه. كما لم تكن مزاعم الأنظمة العربية بأنها تخوض ضده معركة حياة أو موت، تزيد عن تقديم أوراق اعتماد إلى الغرب، بالادعاء بأنها تحاربه بالنيابة عنهم. بينما كانت تقدم له التسهيلات في حال تقلصه ليتمدد، وتساهم في صناعته في حال اختفائه. وأصبحت مصائر الحكومات العربية تدوم بدوامه، فلا يدعونه يموت، كانوا ينعشونه، أصبح سر بقائها.

في المثال السوري، أطلق النظام سراح المعتقلين الجهاديين في وقت مبكر، وهيأ الساحة للتنظيمات الإسلامية بأنواعها لممارسة نشاطها، فتهيأ في الوقت نفسه للأمريكان والروس استخدامه كل منهم على الوجه الذي يريده، فالأمريكان خلال الحرب، لم يطلبوا من النظام أكثر من تغيير سلوكه، كموقف إعلامي من الاحتجاجات الشعبية المحقة، ولم يذهبوا إلى أبعد، بحجة أن الخطر الداهم كان “داعش”، في حين لم يحاول النظام الاصطدام مع تنظيم “داعش” الذي ركز عملياته على مواقع المعارضة، وأخذ يستولي عليها موقعاً إثر موقع، وضمها إلى “دولة الخلافة”، حتى ذهب الظن إلى أن “داعش” يعمل لحساب النظام. أخيراً كان لا بد من الاصطدام معه، وكبدته خسائر مؤلمة، وكان الضحايا من الجنود، البرهان على أنه يحارب “داعش”، ما أثبت أيضاً أنه لم يكن مضطرا لمحاربتهم، إن لم يحاربوه، فلم يُعرف الى أي حد كان “داعش” مخترقاً من قبل مخابرات النظام، مثلما كان مخترقاً من المخابرات الغربية والعربية.

تمدد “داعش” السريع حض الأمريكان على التدخل، ودعوا إلى تحالف دولي للقضاء عليه، أدى إلى تمركز قواتهم في الجزيرة السورية. بينما الروس تدخلوا تحت زعم منع سقوط دمشق بيد الإرهابيين، أما الإيرانيون فسوف يضيفون إلى دعواهم “حماية المراقد المقدسة” انقاذ النظام من الإرهابيين.

لم تظفر فكرة مثل “الإرهاب” بالنجاح، كما حصل باستثمارها في سوريا، كان عائدها على الأرض متكاملاً، استفاد منها جميع الأطراف؛ النظام، الدول الإقليمية، التحالف الدولي، الروس، الفائدة شملت الفرقاء والأعداء، الدول الشمولية والديمقراطية، تحت رايته احتلت سوريا.

وإذا كانوا قد أعلنوا عن القضاء عليه مراراً، فقد تراجعوا عنه مراراً، ما زال متواجداً ومستمراً، إمكانية استخدامه متوافرة، لن ينتهي إلا حسب أجنداتهم، بذلك نفهم تجدد هذه المعجزة، التي لم تكن سوى الحاجة إلى إرهاب مطارد، يوفر مبررات التدخل لمن يرغب.