ربما كان الحديث عن نوادي النخبة أو الأثرياء لا يعنينا، لكن النوادي التي تجمع بين البلدان المتقدّمة، كمجموعة الدول الثماني ومجموعة الدول العشرين… قد تعنينا ولو كمتفرّجين، ما دامت تتحكّم في العالم، وتسعى بلدان كثيرة إلى الانتساب إليها، مع أن الدخول إليها ليس متيسّراً. الدول المتقدّمة لا تتساهل في منح بطاقة عضويةٍ تسمح بالدخول إليها لمن شاء، لا بدّ من شروط يصعب توافرها، ولو كانت لهذه البلاد حضارة قديمة وعريقة، لكنها لا تماثل حضارة الغرب التي هي في جوهرها حسبما يُدّعى “حضارة كونية”.
تقع على عاتق دول النوادي أعباء حضارية تختصّ بسلامة كوكب الأرض، بينما الدول الأخرى آفاقها محدودة، من ناحية أنها إقليمية ومحلية، حتى إنها كحضارات على وشك الاندثار، مهما امتدّ بها العمر، لا يُعوَّل على انتسابها إلى أيّ نادٍ، ربما الالتحاق به كتابع، بشرط تبنّي المفاهيم الأساسية للحضارة الغربية المتجلّية في الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، والنزعة الفردية وحقوق الإنسان، وسيادة القانون والأسواق الحرّة، وفصل الدين عن الدولة.
لا تعدم وجهة النظر هذه من وجاهة، تفرض اشتراطات ولو كانت قاسية، يجب توافرها في دول هي في جوهرها متخلّفة، لذلك حتى في حال تبعيتها، يجب أن يكون لديها الاستعداد للامتثال لتعليمات صارمة من الممنوعات والمسموحات، قد لا تستطيع التقيّد بها، وخاصة البلدان التي ما زالت تحت النمو، ما يوجب العمل على تنميتها. لكن ماذا إذا كانت غير صالحة للنمو؟ كذلك الشعوب التي أصابها خرف مبكر، بفعل التمسّك بالدين والعادات والتقاليد، هل يمكن تعليمها التفكير الصحيح؟ ما الذي يُثبت أن هذه الشعوب قادرة على استيعاب استحقاقات التقدّم، ما دامت راسخة في التخلّف؟
” لم يكن هناك سوى الأطبّاء وملائكة الرحمة للدفاع عن البشرية”
لم تطرح هذه التساؤلات عن عبث، ولا الاشتراطات عشوائية، عندما ندرك أن مخاوف الغرب تتفاقم جرّاء تدفّق اللّاجئين من البلدان الفقيرة إلى بلدانهم الغنية، بالنظر إلى أنّ الفقر بيئة تثمر الجريمة والعنف، وبؤرة لتفسّخ القيم. عدا خلوّ القادمين من كفاءات معتبرة، وافتقادهم للمهارات الفردية مع تدنّي التعليم، ما يؤثر سلباً في سوية “الحضارة” المستضيفة، كذلك فإن في تزايدهم الحثيث ما يجعل الكفّة تميل إليهم، ما يُسهم في تراجع قيم متحضّرة، لحساب “عادات همجية”، بالتالي مهما كان تآكل الحضارة بطيئاً، فسوف تحرز انهياراً على المدى البعيد.
ولقد لوحظ أن هذه الموجات من اللاجئين، حتى لو حُشرت في أحياء هامشية، وأوكلت إليها أعمالٌ هامشية، لا يمكن أن تكون عملية عزلها مجدية، ما دام بوسعها التسرّب من خلال الأعمال التي تمارسها إلى الأحياء الموسرة. تُرى، ماذا تكون ثقافة التخلّف سوى عادات بالية، تجد تصريفها بالعنف، وليست الجريمة سوى استعادة لذاكرة همجية تؤثر سلباً في بيئات مسالمة.
لن نطيل أكثر، خاصة أن هذه الحجج على تهافتها، تجد سندها في دول الغرب من التجربة الأميركية مع أن الزمن طواها، أكثر ما تبدّت في التحذير من خطر التنوّع الثقافي نتيجة الهجرات الواسعة إلى أميركا، ما يوجب على الدولة السيطرة على هذا التنوّع وتنظيمه حفاظاً على جوهر ما هو أميركي! وإجازة القوانين التي تعزّز أنواعاً بذاتها من القيم والسلوك، وأن توضع ممارسات النساء والأقليات تحت رقابة الرجال المتحضّرين الذين وحدهم يغرسون المعتقدات والقيم والأهداف التي تشجّع على السلوك المهذّب، أمّا الذين يعجزون أو لا يرتضون التزام هذه المعايير، فهم حسب التصنيف: البرابرة، أو الطبقات الدنيا التي يشكّل وجودها خطراً على الحضارة.
دعم خبراء هذا التوجُّه، وبرهنوا عليه بأبحاث في دراسة القدرات العقلية التي تقول بتدنّي عامل الذكاء لدى الملوّنين، مقارنةً بعامل الذكاء المرتفع بالنسبة إلى البيض، وأكّدوا أنّ فجوة الذكاء بين البيض والآسيويين والزنوج ثابتة وغير قابلة للتغيير.
إذا تغاضينا عن ترّهات الحضارة والتقدّم والذكاء والكوكب المهدَّد بالتخلّف، بعدما ثبت بطلانها، لكن ما الذي قدّمته حضارة البيض لهذا الكوكب الذى اجتاحته الكورونا، غير انفراط هذا العالم الأبيض، ومحاولة كل بلد النجاة بنفسه؟ ما يقدّم مثالاً صريحاً على أنّ بلدان النوادي من واقع اهتمامها بمصالح القلّة من الأثرياء، أهملت حتى بلدانها وتركت الفيروس ينخر فيها، ولم يكن هناك سوى الأطبّاء وملائكة الرحمة من الأجناس كلّها للدفاع عن البشرية.
-
المصدر :
- العربي الجديد