في الساعة الخامسة والربع مساء الثلاثاء الماضي توجه كرايغ ستيفن هيكس (46 عاماً) إلى المجمع السكني الجامعي لجامعة نورث كارولينا، وأطلق النار على ثلاثة طلاب جامعيين عرب، شاب سوري 23 سنة (ذو أصول فلسطينية) وزوجته الفلسطينية 21 سنة، وأختها 19 سنة، توفوا في الحال في مكان الحادث، بينما سلم القاتل نفسه إلى شرطة المقاطعة.

الضحايا العرب، مسلمون كما يُلاحظ من (الحِجاب) الذي ترتديه الزوجة وأختها. ما يوحي أنها جريمة كراهية. لم يكن بوسع الشرطة التأكد فالجريمة وقعت عقب مشادة حول ركن السيارة في الموقف المحدد. كما أن القاتل ملحد لديه “اعتراض ضميري على الأديان”، وفي صفحته على الانترنت رسوم وتعليقات تسخر من الديانة المسيحية، ومن طائفة المورمون، ومن الإسلام. وفي إحد تعليقاته: “أنا لست ملحداً، لأنني أجهل حقيقة الكتاب المقدس. أنا ملحد لأن الكتاب المقدس جاهل بالحقيقة”. وأضاف “نظراً للضرر الجسيم الذي تسبب به دينكم للعالم، أستطيع أن أقول إنه ليس فقط من حقي، بل من واجبي أن أهينكم”.

وإذا كانت الجريمة عنصرية، فالأغلب أن القاتل الناقم على الأديان، يقصد إهانة المسيحي واليهودي، أما المسلم فلا ينفع فيه إلا القتل. السؤال فهو، هل يشفع لعلماني، أو ملحد السخرية من الأديان، وربما قتل معتنقيها كما حدث في نورث كارولينا، واعتبار ما فعله ليس جريمة كراهية، بسبب أنه لا يؤمن بدين؟ القاتل في الحادثة نفسها، ليس من المجرمين النمطيين لجرائم الكراهية. المعتاد أن يكون متطرفاً يتبع لأحد الأديان، والمعتاد أيضاً أن يكون الملحد خالياً من وصمة التطرف. فهل فعل القتل هنا استثناء أو طفرة، بالتالي لا يمكن اتخاذه مثالاً نموذجياً لهذه الجرائم؟

الدلالة الأهم في الجواب، هو أن المجرم يلغي الطفرة، ويشير إلى الحد الذي بلغته الكراهية، بحيث لم تعد تستثني فئة في الغرب، وأصبحت مرضاً منتشراً، يسري في الأثير، بفعل ما يبث في القنوات الفضائية، بما يغذي نوازع الكراهية سواء عن قصد أو عن غير قصد. صحيح أنها لا تجد صدى لدى الأغلبية، لكن لا ننسى أن التحريض يجد صداه الأمثل لدى المتطرفين الدينيين، والمنحرفين، والعنصريين المهووسين بحضارة الجنس الأبيض… ينساق إليه على أنه واجب ديني، أو وطني، أو تنظيف المجتمع من الشوائب في سبيل نقاء أنقى. ما يحرض بالمقابل الطرف الآخر على المبادرة إلى القيام بفعل يسبقه أو يوازيه، وربما يفوقها.

في الحقيقة يحرض الاعلام الأطراف كلها. وإذا نظرنا حولنا فسوف يدهشنا، العدد المتفاقم للادعاءات العنصرية التي باتت تصادف هوى لدى أناس عاديين وعقلاء، كانوا لا يأبهون لتلك الدعايات السلبية التي تميز بين الأعراق، والطبقات، والأديان والمذاهب، والجنسيات (هناك أناس يكرهون الألمان والروس والصينيين …)، أو الميول الجنسية، وأحياناً الكراهية بسبب ثارات تاريخية. والملاحظ منذ أكثر من عقد، أن العرب المسلمين ينالهم النصيب الأوفر من الكراهية العمياء التي اتخذت بعد حادثة برجي التجارة طابعاً صليبياً ينحو إلى انقاذ العالم من الهلال الإسلامي.

بالمقارنة، يبدو التمييز العنصري واضحاً بين جريمة (تشارلي ايبيدو) التي استنفرت العالم، وسيرت المسيرات ضد الإرهاب، واستنكرها المسلمون بفئاتهم كافة، وبين جريمة نورث كارولينا، التي أخذ الغرب منها مسافة عقلانية، وأخضعها للتحقيقات وعدم الانسياق وراء الغضب الذي أعقبها من جهات جامعية وإسلامية وحقوق انسان. فلم تصدر تصريحات، ولم يعلق زعماء دول، أو يُجند الرأي العام الغربي ضدها، ولم يتنافس زعماء العالم لحضور جنازات الضحايا ويتدافعوا للظهور في الصفوف الأولى. رد الفعل العالمي الرسمي كان الصمت (مؤخراً ومتأخراً علق عليها الرئيس أوباما ووصفها بالجريمة الوحشية). أما التعليق الذي صدر من السلطات الأمريكية فهو ما قاله المتحدث باسم شرطة المقاطعة: “هذه الجريمة عمل مأساوي ولا معنى له”.

جرائم الكراهية، لا تقتصر على القتل، بل على التمييز أيضاً، فالجريمة يختلف النظر إليها حسب جنسية أصحابها، تعلو الأصوات ضدها، أو تخفت، وربما يجري تجاهلها. والمشين أنها أصبحت ثقافة معتمدة، ترخي بظلالها على مناحي حياتنا، صارت من طبيعة الأشياء، وبات من المتوقع أن نسمع باستمرار عن تعرض لإهانة، أو لإيذاء، أو محاولة قتل، أو قتل، وقتل بالجملة.

المروع هو أن الكثيرين ممن نذروا أنفسهم للكراهية، يعتقدون أنهم يحققون العدالة بصيغتها السماوية الغيبية، ومع تكاثر النزعات الدينية المتطرفة، أصبح مشهد القتل الأكثر ترداداً في العالم، وباتت دعاوى الكراهية الأكثر قابلية للاستثمار، خطرها يتبدى في قدرتها على اختراق قارات العالم بطولها وعرضها.