ما يؤكّد أن العالم في خير، هو كثرة البرامج الترفيهية، فالعالم إن كان يعاني من شيء فهو السأم، بعد اختفاء الصراع الطبقي، فلا طبقات متناحرة، ولا انتفاضات وثورات، لا أكثر من مظاهرات مأذونة من السلطات. وإذا حاول البعض تزييفها تحت عنوان الربيع، ليزيل الشبهة عنها، فسرعان ما انكشفت بتداعيها إلى جحيم.

في هذا العصر أي ادّعاء بثورة أو انتفاضة، يُمنى بالفشل. إنه عصر السلام والوئام، عصرٌ يحكمه العقل، ومن حق العالم الدفاع عن سكينته، ضد أي خلل في المجتمع أو الدولة، ولا تحتاج معالجته بالإصلاح إلى أكثر من لمسات تجميلية، لا سيّما بعدما تمكّنت البشرية من وضع حدّ لظاهرة الحرب والقتل، باحتوائها سينمائياً وتلفزيونياً، بزيادة عيارات العنف في الأفلام والتمثيليات، ما شكّل تنفيساً عن النوازع المستهجنة التي ترتدّ بالإنسان إلى العصور البدائية.

خصوصاً، أن المتفرّج لا يجهل أنها تمثيل في تمثيل، ولا تزيد عن صور متحركة، الفائدة منها، تنعكس على المجتمع، مع ميلان إلى التآلف، مع حصانة من العنف.

إقناع الناس بالأمان المطلق يحتاج أيضاً إلى شواهد عملية، لذلك لا يستغرب في برنامج صباحي تلفزيوني، أن تطالعنا المذيعة بابتسامة عريضة ووجه شاحب، تبشّر بعودة السلام إلى ربوع الوطن، في معرض تبادلها الحديث مع ضيفها عن الأمن المستتبّ، في هذه الأيام التي يحترق فيها الوطن نفسه، فما يجري عبارة عن سحابة صيف. ولا يُستبعد أبداً خلال حديثها سماع صوت القصف يخترق الجدران الكتيمة للأستوديو المعزول عن الفضاء الخارجي. بينما لو كانت هناك نافذة حقيقية، فسوف تُرى أعمدة الدخان، وطائرة تقصف، وأبنية تنهار.

” علينا نحن البشر أن نعي حقيقة عالمنا، عالم من اللامبالاة”

من حسن حظ المذيعة وضيفها، أن لا نافذة ولا شرفة. أما عن القصف، فلا أكثر من تسرّب بعض الضوضاء، نتيجة خطأ غير مقصود. ففي الدول حديثة الكذب، أو كثيرة الكذب، قد تحدث بعض الهنات.

بالنسبة إلى وسائل الإعلام العالمية، لا أخطاء تحصل من هذا القبيل، تدلّ على تخلّف الصناعة الإعلامية. فالتقدّم الذي تشهده، حظر قبل زمن ظهور الجثث والقتل والدماء. تبعتها في هذا الاتجاه وسائل التواصل الاجتماعي حرصاً على مشاعر أهالي الضحايا، ومراعاة لحرمة الموت، لئلا تبدّد بشاعتها طمأنينة المشاهدين، وخشية الظن أن النظام الدولي يقوم على الإجرام، ويستمر به؛ بالتالي ما يرتكب من أعمال وحشية هو نتيجة أخطاء فردية لأناس مختلين عقلياً، نشرها يؤذي المشاعر الإنسانية، وتتبلّد مع الوقت أحاسيس البشر.

بالمقابل، كل ما في هذا العالم، يحتّم الاعتقاد بأن حظر هذه الفظائع عن الإعلام، فعل متعمّد، ينحو إلى إلغائها، كأنّها لم تكن، وليس هناك طغاة ولا مجرمون. إن التعمية عليها جريمة أيضاً. إذ علينا نحن البشر أن نعي حقيقة عالمنا، عالم من اللامبالاة، وإلا فكيف نحسّ بمآسي الآخرين، إن لم تدمر طمأنينتنا؟