في الأسبوع الماضي مع اقتراب موعد لقاء موسكو، تتالت تصريحات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عقب توقعات بامتناع أغلب المعارضة السورية عن المشاركة؛ التصريحات اقترنت بتهديدات، فمن قوله، إن المعارضة السورية الرافضة ستخسر، إلى أن المتغيّبين عن المؤتمر سيخاطرون ويفقدون مواقعهم وقدرتهم على التأثير في جهود السلام، مروراً بأن الحوار سيعقد بمن حضر. أخيراَ، كان تحذيره للمعارضة واضحاً من مقاطعة المؤتمر.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري دعم جهود نظيره الروسي، وأبدى تأييده للمساعي التي يقودها لإجراء محادثات جديدة لإنهاء النزاع المدمر في سورية، ودعم المبعوث الدولي دي ميستورا في مهمته وأعلن بعد لقائه به، عن قلق الولايات المتحدة بشكل خاص بشأن الكارثة المستمرة في سورية التي شردت نحو ثلاثة ارباع سكانها.
إذاً لا جديد من ناحية الدولة العظمى، مازالت أمريكا على عهدها، الأزمة السورية أوكلتها إلى الأمم المتحدة، مع إعطاء الفرصة الدائمة للروس لتجربة أسلحتها وحظوظها سارية. كذلك أصدقاء سورية الأوربيين الذين وجدوا في ضحايا “شارلي ابيدو” حربهم الخاصة، تتيح لهم تصفية حساباتهم مع المهاجرين المسلمين، ما يبيح لهم التضييق عليهم حتى الخناق.
روسيا لديها قناعتها الجازمة بأن الحرب التي أنهكت السوريين تماماً جعلتهم يريدون حلاً باي ثمن، وأن الأجواء مناسبة لاقتياد المعارضة الى مؤتمر يعيد ترتيب شروط المصالحة، ويمهد لإلغاء جنيف 1، أو تعديل بنوده، أو التأسيس لموسكو1 مع وعود مستقبلية بانتخابات حرة نزيهة، على أن يتحكم في الانتخابات البوط العسكري، وكالمعتاد بإشراف أجهزة الأمن. ما الذي تغير؟ لا شيء. النتيجة ستكون نحو 90% ولن تقل عن 80%. هذا ما يعرفه الروس حق المعرفة، وليس بعيداً عن الحقيقة، التزوير قادر على كل شيء. الواضح أنهم لن يقدموا بالمقابل اغراء جديا على هذا الحل الانتحاري لشعب بكامله، وإن كان حسب اعتقادهم يستقيم معه إرضاء المعارضة ببعض المناصب الشكلية، وتجاهل السوريين بأنواعهم كافة، فهم في الداخل مساجين، أو نازحين، وفي الخارج لاجئين، يموتون في البحر، ومؤخراً من البرد.

أي أن روسيا ستكلل جهودها البيضاء بإنقاذ السوريين من الموت، لا من المعتقلات، ومن دون تقديم أية ضمانات للعائدين إلى بلدهم، إذ لا حصانة للإرهابيين. في الحقيقة ليس بوسعها ذلك، والدليل أنه حتى في سبيل إنجاح مؤتمرهم العتيد غير المعروف فيما إذا كان حواراً أو مشاورات أو تبادل آراء، أو منتدى لطرح الآراء، أو عرضاً للأفكار، وربما استعراضاً للعضلات… لم يتمكنوا من اثبات مقدرتهم على التأثير في النظام بإطلاق المعتقلين من النساء على الأقل، وليس على ابداء حسن نيته، فالنظام يعتمد بالدرجة الأولى على نواياه السيئة، ولن يخسرها حتى بإطلاق الأطفال، لكن ثمة مجال للتفاهم حول بعض التفاصيل الصغيرة، وهي حتى لو كانت تافهة تسهل الحل السياسي المنشود، ما يبشر بتليين مواقفه، غير ان ايران التي وافقت على المؤتمر تشددت تجاه تنازلات صغيرة، فهي أول العارفين بأنها قد تقدم وتؤخر. التنازلات الصغيرة، أتفه من أن تذكر، لا يدري المعارضون المدعوون عنها شيئاً، من فرط تفاهتها.

الروس بموقفهم الضعيف والمختال هذا، وما يشوبه من تحايل مفضوح، يستحيل عليهم تبرئة أنفسهم من نظرة الشعب السوري إليهم: روسيا بوتين بلد عدو، هذا بصريح العبارة، طالما أنهم يُقتلون بأسلحة روسية لا تتوقف عن التدفق الى سورية، كما واثبتوا خلال سلسلة من الفيتوات أنهم لا يقلون استبداداً عن النظام، وما مسارعتهم هذه لا يجاد حل ما إلا خشيتهم خسارة ما وظفوه في سورية قبل حلول أوان استثماره. المشكلة ليس في أنهم ينظرون باستخفاف الى المعارضة، سبقهم إلى ذلك اوباما، ولا عدم اعتبارهم الانتفاضة ثورة شعبية، بل في أنهم لا يقيمون وزناً للشعوب، فهم مجرد قطيع، نظرة مدينون بها إلى ستالين الذي أخضع الشعب الروسي، وعلى منواله فعل بوتين.

دفع السوريون أثمانا هائلة، تحت ظلال شعارات الممانعة والمقاومة، غير أنها لم تعد مقنعة، ولا السوريون طيعون بعدما خسروا الآباء والأولاد والأحفاد والذين في القماط، والذين لم يولدوا بعد، وانتهكت اعراض نسائهم، وتشردوا في ارجاء الأرض، وماتوا في البحار … لم يبق جريمة لم ترتكب في حقهم.

لذا ينبغي على الروس وأمثالهم من المتطوعين للوساطة النظر إلى الأزمة السورية بواقعية، وبكثير من الإنسانية، هذه التي تغيب عن المجتمع الدولي، كأن الإنسانية مخصصة لشعوب دون أخرى.