يعتقد بعضهم أن الكاتب لا يكتب إلا من أجل الشهرة والمال، وهذا لا يعيبه إذا كان يتخذ الكتابة مهنة يعيش منها، وإذا أصاب الشهرة، فما المانع؟ لكن أن تكون لدى الكاتب هموم وتوجهات إنسانية أو وطنية أو أخلاقية، فمن الطبيعي ألا تكون موهبته موظفة للمال والشهرة فقط، وهو ما يثبته الأدب على مر العصور، فهما من أعراض الكتابة لا أهدافها، قد تتوافر أحياناً، ولا تتوافر غالباً. وقد يقضي الكاتب حياته من دون الظفر بواحد منهما.

قصر هذه النظرة إلى الأدب تحيله إلى عمل للاسترزاق والاستعراض فقط، وتلغي عنه أي دافع آخر، مع وجود دوافع كثيرة تحفز الكاتب على عدم الامتثال لواقع فاسد، فما زال للضمير والمسؤولية والالتزام، نصيب كبير لدى كثير من المشتغلين بالأدب.

ليس جميع الأدباء والمثقفين على شاكلة واحدة، هناك من جعل الدفاع عن الحرية والمظلومين، حقيقة أولى لا تنازل عنها، وهناك من شكّلت العدالة والجمال والحق مسعى حياته، ومنهم من بذل عمره مؤمناً بقضية وطنية، كذلك نقاد يقيسون عظمة الأدب بعظمة القضايا التي كُرِّست حيوات من أجلها. وهل هناك أصلح من الأدب في التصدي لهذه المهام؟ وعلى الطرف المقابل، هناك من يستخف بهذه القضايا، فيُعرّي الأدب من دوافعه وغاياته، ويحددها بمردودها من المنافع.

” على الضد مما يشاع، لا تحرّك الكتّاب العوامل نفسها”

في الانتفاضات والثورات العربية، رأينا من انحاز للناس، ومن انحاز للسلطات. من انتقد القمع، ومن سوّغه. من ناضل ضده، ومن دافع عنه. شهدنا أدباء وصحافيين اعتقلوا وما زالوا في السجون، ومنهم من مات تحت التعذيب، أو خاطر بحياته من أجل توصيل معونات غذائية وطبّية، ومنهم مَن أُعدم ميدانياً. الشهرة الوحيدة التي اكتسبوها هي دوافعهم النبيلة، وهذه لم تمنحهم من عائد سوى أنها حرمتهم مما كان يتيح لهم العيش على الكفاف.

على الضد مما يشاع، لا تحرّك الكتّاب العوامل نفسها، وليسوا متساوين، إنهم بشر ومختلفون. وهذا ما يجعلنا نتبين الفارق بين الذين يؤمنون بالحق والحرية والكرامة، والذين يعتبرون أنها مطالب لا لزوم لها. هكذا نميّز بين الذين خرجوا في المظاهرات، والقناصين الذين كانوا يتصيدونهم، إنه الفرق بين القاتل والقتيل.

لا عجب أن تحتوي المنابر الثقافية، وأغلبها إلكترونية، على مجرمين يحولون الثقافة إلى ساحة للإيذاء والمهاترات، ويسفّهون كل عمل جدي. لا يقتصرون على فئة محددة من أنصاف وأرباع المثقفين، فيهم المعروف والمغمور، والذي يكتب بأسماء مستعارة، أو يستأجر أقلاماً لتسويق الأكاذيب. يتوسلون “النقد” للتشويه والتخريب، ونزع أية قيمة عن الأدب المنحاز للضمير.

ليس عسيراً على المجرم التخفّي بلبوس المثقف، ويعكس فهمه المضلل للأدب، مستخفاً بأي عمل حقيقي، واستغلال ثقافته في الثأر من الحرية على أنها انفلات وتسيّب، بما يزعم أنه نقد، بينما هو على علاقة بأمراض الطباع السيئة والمصالح المدنسة.